بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الأول 2019 06:15ص «الجماعة الإسلامية» تنبض بالحَراك.. وتُصالح الحريري

حجم الخط
منذ أيامه الأولى، رافقت «الجماعة الإسلامية» الحراك الشعبي في أماكن متعددة، شكلت عاصمة الشمال طرابلس أبرزها.

إتخذت الحركة قرارها سريعا بالانتفاضة على السلطة. لم يشكّل ذلك خياراً لديها، كان قراراً بالمواجهة مع مرحلة صعبة على الجماعة التي تراجعت في الحضور كما في الدور منذ بدء العدّ العكسي لنفوذ الحركة الأم «الإخوان المسلمين» في مصر وسوريا وغيرهما من البلاد العربية باستثناء تونس، وبعد الحصار عليها من قبل محور عربي مضاد إذ اعتبرت ركناً أساسياً من محور تركي قطري مواجه له.

شكّل هذا الضمور مفاجأة لحركة بدت في سنوات قريبة مضت في أوج حضورها وقوتها في العالم العربي مع ازدهار ربيع الثورات الذي أثار آمال «الإخوان» في تحقيق حلم الحكم بعد عقود من التهميش. لكن سرعان ما اصطدمت الحركة ومتفرعاتها كما في لبنان، بالواقع. ترافق ذلك مع حالة من «الإحباط السني» في المنطقة شملت لبنان، زادت من أزمة الحركة، بينما أخذت الفجوة بين «الجماعة» التي ترى في نفسها القوة الثانية على الساحة السنية في لبنان، ومتصدر الشعبية السنية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، تكبر وتتعمق.

محاولة استعادة المبادرة

هي أزمة مزدوجة للحركة التي باتت أمام تحدي استعادة المبادرة، وهي مهمة غاية في الصعوبة مع تحديات تواجهها على أكثر من صعيد، منها ما يتعلق بتراجعها التنظيمي الداخلي، وآخر يتعلق بصعود قيادات سنية أخرى بات يطرح السؤال حول واقعية اعتبارها أنها «وصيفة» للحريري لدى السُنة!

أمام ذلك، لم يكن أمام الحركة الإسلامية التي مثلت على الدوام الإسلام المعتدل، سوى الانتقال من موقع الدفاع والسلبية، الى الهجوم والتحول نحو إيجابية تعيد إليها بعض ألقها.

وكانت طرابلس المكان الأمثل للصعود من جديد. هناك معقل الجماعة حيث نشأت وكبرت وتوسعت نحو العاصمة بيروت وغيرها من المناطق. إنخرطت في الحراك الشعبي المخاصم للسلطة ومكوناتها. لم تشأ الظهور العلني والرسمي تحت عنوان عدم «تسييس» المشاركة، لكن كان من الواضح ان الحركة كانت وراء فعاليات كثيرة في الحراك، وخلف شعارات كبرى وتحركات على الأرض في الإمكان لمتابعي الحراك رصدها بدقة.

والواقع ان الجماعة، وإن كانت برعت في امتطاء الثورة، إلا انها لم تكن في وارد الوقوف موقف المتفرج حيال أوجاع الناس وأزماتهم. ويجادل مسؤولو الجماعة طويلا انهم حذروا طويلا من انفجار الشارع نتيجة الأزمات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي يعاني منها، وانهم لم يمتطوا الثورة التي انطلقت بعفوية وصدق.

على أن الجماعة لا تستطيع نكران ان قوى أخرى ركبت الانتفاضة بدوافع مختلفة، لكن ذلك لا يعني التغاضي عن مآسي الناس وفقرها عبر السعي بالوسائل المشروعة لبناء دولة حقيقية يبدو واجب الجماعة، وهي الحركة الإسلامية العريقة، النضال لإقامتها.

رفض الغوغائية

والواقع أن قياديي الحركة سعوا على الدوام الى تهذيب وسائل الاعتراض وترويض بعض أشكال الانتفاضة التي ذهبت بعيدا في معارضتها الى حدّ تعريض الثورة نفسها الى الخطر مع بعض الممارسات الغوغائية. هذا الأمر بدا واضحاً في طرابلس حيث رفضت الجماعة بشدة مظاهر شاذة كقطع الطرقات وتعطيل الحياة العامة وإعلان العصيان المدني، التي دفعت ببعض شرائح المنتفضين الى التراجع عن اندفاعتهم.

اليوم، يعلم مسؤولو الجماعة تماما ان الحراك يمر في مرحلة ركود بعد نحو شهرين من الانتفاضة التي بات عليها ابتكار المناسب من الوسائل لتجديد نفسها مع طرق أكثر مناسبة للمرحلة التالية. وقد استدعى الأمر نقاشا فيها، خاصة وان موضوع تشكيل الحكومة قد يتخذ وقتا طويلا، بينما تبدو الرئاسة الثالثة، أي رئاسة الحكومة السنية، الضحية الأولى لجمود قد يتمدد.

مسك العصا من المنتصف

الواقع ان مسك العصا من المنتصف يبدو سمة الحركة اليوم في علاقتها مع السلطة، ومع الحريري على وجه الخصوص. لا عودة عن قرار دعم الانتفاضة ورفدها بكل ما يلزم، لكن إصلاح العلاقة مع زعيم «تيار المستقبل» حاضر بقوة على أجندة مسؤوليها.

لم ينس مسؤولو الجماعة ما يصفونه بـ»فوقية» مارسها الحريري عليهم في مراحل مختلفة خلال السنوات الماضية. هم لم يودوا مواجهة المد «المستقبلي» في الطائفة السنية، على الخصوص في أوج فترته بعد استشهاد الراحل رفيق الحريري، وهذا الامر أسقط نفسه على العلاقة بين الجانبين حتى في مرحلة ازدهار الجماعة بعد تفجر الربيع العربي.

والحال ان الحريري لم يكن مستعدا يوما للاعتراف بحيثية الحركة، كما ان واقع الانقسام الخليجي اليوم لا يسمح بهذا التقارب، وكان لزاما على «إخوان لبنان» ان يواجهوا مأزقهم في العلاقة مع «زعيم السنة» باستعادة شعبية مفقودة في الشارع، كما برفع شعار الدفاع عن موقع السنة في المعادلة الداخلية.

هنا، إستثمر هؤلاء سقطة تجاهل الشارع السني في تأليف الحكومة والشروع في تشكيلها، من قبل رئاسة الجمهورية والقوى الكبرى في البلد، ورفعوا العنوان المشروع حول «صلاحيات رئاسة الحكومة»، لينطلقوا منه لإبداء الرغبة بعودة الحريري ملكا متوجا على عرش الطائفة.

لم يعلن أي مسؤول في الجماعة علنا رغبته بتطويب الحريري، لكن لا خيار أمامهم سوى الاستماع لنبض الشارع السني اليوم ليتواءم ذلك مع شعار براق آخر: حكومة كفاءات تحظى بثقة الناس.

وبذلك، يعلن هؤلاء تنديدهم بمحاصصة مرفوضة أصلا من قبل شرائح الانتفاضة، وبعدم قبولهم بدفع الحريري ثمن الثورة لوحده ومعه الموقع السني السياسي الأبرز في لبنان.

العلاقة مع «حزب الله»

على أن ثمة في أوساط «الجماعة» من لم يعد لديه ثقة بالحريري، ولذلك اتخذت الحركة قرارا بتعزيز العلاقة مع «حزب الله»، وهي العلاقة التي مرت بمرحلة من البرودة في السنوات الماضية نتيجة تضارب الموقف مما يجري في سوريا. 

لكن الجانبين يريدان البناء على وحدة الموقف من قضية المقاومة وأبرز تجلياتها التصدي لما يعرف بـ»صفقة القرن». والأمر لا يقف هنا، تذهب «الجماعة»، وهي مؤسسة في العمل المقاومة، الى إعلان استعدادها للوقوف مع الحزب في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان.

في كل الأحوال، لم تعد الحركة راغبة باصطفاف محلي حاد وهي باتت تعتبر ان محور كل من 14 و8 آذار لم يعد قائما، كما انها لا تزال حذرة إزاء تسوية رئاسية عارضتها منذ البدء.

ومع انخراطها في الانتفاضة الشعبية، تبدو «الجماعة» وكأنها في موقع المترقب للآتي من التطورات، إقليميا أكثر منه محليا.