بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آب 2020 08:15ص الحريري بعد قرار المحكمة الدولية.. ليس كما قبله

هكذا يقارب زعيم «المستقبل» العلاقة مع «حزب الله»

حجم الخط
عمار نعمة
لا يُحسد الرئيس سعد الحريري على اللحظات الدقيقة والصعبة التي يعيشها اليوم. مع اقتراب عداد الساعات في اتجاه النطق بحكم المحكمة الدولية في جريمة إغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، المنتظر يوم الجمعة المقبل، يبدو زعيم «تيار المستقبل» قد حدد خياراته وتموضعاته الداخلية وهو الذي قد يكون في هذه اللحظات على بيّنة من الحُكم الذي سيتابعه مباشرة على مقربة من قضاته.
كان الحريري دوماً كبالع الموسى في مقاربته للقضية. حاول مراراً صياغة تفاهمات سياسية مع الأخصام إتخذت طابع التحالفات أحيانا، لكنها كانت أقرب إلى تنظيم للتباينات وتحييد للملفات الخلافية، وهو ما صمد سنوات طويلة ومرّ بتحديات دقيقة حتى اليوم.
لكن الجديد الحريريّ هذه الأيام يتمثل في انكفاء زعيم «تيار المستقبل» عن مشهد الحكم بعد خروجه منه طوعاً ليُصور نفسه متبنياً الإنتفاضة الشعبية التي كان أحد أهدافها. وبخروجه ورفضه للعودة، فقد شرع بذلك في خطة طويلة الأمد للعودة تُطبخ على نار هادئة وبأعصاب باردة.

قد يشكل الحكم الدولي مناسبة للعودة الحريرية بقوة الى الساحة، برغم أن البعض يشير، ومن بينهم قياديون من الداخل «المستقبلي» المقرب من الحريري، كمصطفى علوش لـ«اللواء»، الى أن ذلك أيضا سيتيح لمن هم على «يسار» الحريري للبروز بمزايداتهم عليه. وهم لن يقفوا عند موقف للحريري سيكون عالي النبرة مع صدور قرار المحكمة التي قد تدين «أشخاصاً تؤكد المعطيات أنهم كانوا مأمورين ولم يقوموا بعملهم لوحدهم». 
وحسب هذه القراءة، فإنها منظومة كاملة مخابراتية وعسكرية قوية ومتماسكة تلك التي اغتالت الحريري بدافع سياسي شكل إحدى المراحل الأولى «في مخطط اجتياح ولاية الفقيه للمنطقة».
هذا هو السياق الذي يضع «مستقبليون» كثر القضية في مساره، برغم أن الحريري لجأ الى المحكمة لكي يُجنب البلاد التجاذب السياسي المؤذي لها «لكي لا تضيع القضية». لكن هذا الأمر لن يحول دون عودة تلك القضية الى البروز بوجهها السياسي مع المعطيات التي ظهرت خلال التحقيق والحكم، ما يشير علوش الى كونه يؤكد قناعته «بتورط منظومة ولاية الفقيه ونظام (الرئيس السوري) بشار الأسد». 
هنا تبرز التساؤلات كبيرة حول مآل العلاقة بين الحريري وتياره من جهة، و«حزب الله» الذي ينتمي المتهمون إليه، بعد سنوات من قضايا ثلاث نُحّت جانبا ًلتفادي فتنة مذهبية بين الطرفين: المحكمة الدولية وسلاح «حزب الله» والتدخل في الحرب السورية.  
ماذا عن مجلس الأمن؟
على أن القيادي في التيار الذي يوصف بأنه من «الصقور»، يلفت الانتباه الى أن الحريري لن يعفي قاتلي والده مع صدور الحكم. «التحييد يتعلق بالملف الداخلي، وكان من شأن حصر العلاقة بملف المحكمة أن يؤدي الى حرب أهلية في البلد». لكنه يشير الى مسألة هامة تتعلق بكون تحييد الحريري لتلك القضايا جاء خلال تواجده في الحكم وهو بات خارجه اليوم ولم يعد يستطيع أن «يطنش» في حال صدور قرار إدانة للمتهمين.
لذا سيكون عليه الخروج بموقف علني تجاه المنظومة التي نفذت الاغتيال، علما أن ما سيتبع سيكون مرتبطا بالمحكمة، في ظل سؤال حول ما إذا كان مجلس الأمن الذي أنشئت المحكمة بقرار منه وسيعود الحكم الذي سيصدر إليه، سيقوم بما يلزم للقبض على المدانين.
وإذ لا يستبق علوش طبيعة قرار المحكمة، يسأل عن القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن عندما يعود الى مقاربة القضية، ويلفت النظر الى أن كيفية وآلية ما سيصدر عن هذا المجلس سيكون من شأنه صياغة ردات الفعل على القضية لناحية المستوى السياسي الدولي. فهل سيلجأ هذا المجلس الى توسيع الأمر في اتجاه المنظومة وإدانتها بالإجرام؟ يسأل علوش ويجيب بصعوبة الأمر، ثم يسأل عما إذا كان الأمر سيتم عبر الفصل السابع لتسليم المدانين أو عبر نداء عام يوجه الى الدولة اللبنانية؟  
مساع مُعارِضة.. بعد المؤتمر
قد يكون زعيم «المستقبل» قد انتظر طويلاً حتى صدور القرار لكي يتخذ قرارات «أوسع» كما يسميها علوش الذي يشير الى أن هذا الموضوع كان سيتزامن مع مؤتمر التيار الذي تم إرجاؤه، والذي كان منتظرا منه تصليب العود الداخلي وإعادة التنظيم الداخلي ما كان سيمهد الى المرحلة الجديدة.
ورغم هذا التأجيل، سيُعبد المؤتمر بعد انعقاده الطريق في اتجاه تحركات جديدة نحو القوى والأحزاب السياسية لبحث كيفية مقاربة المرحلة ولما لا تشكيل جبهة معارضة؟ 
لكن «المستقبليين» يستدركون بأن الأمر ليس بهذه البساطة. فالجبهة التي أريد لها أن تضم حتى أطرافا داخل الحكومة أبرزهم الرئيس نبيه بري، ستصطدم بعقبة كبيرة كون الاخير لن يشكل حصان طروادة تلك المعارضة وهو سيحتفظ بدوره التنسيقي مع الحريري والزعيم «الإشتراكي» وليد جنبلاط العامل على تهدئة الأمور، علما أن الاتصالات لم تنقطع بين هذه الأطراف الثلاثة وثمة تواصل لمواكبة مرحلة أكثر صعوبة مقبلة على لبنان وخاصة على صعيد العلاقة بين الحريري و»حزب الله» والتي يقع على عاتق بري الكثير لحمايتها.
وفي مواجهة ذلك يبدو الحريري مرتبكا ولا سبيل أمامه سوى البحث عن الاستقرار وعدم مواجهة الحزب على الأرض أو الرهان عليها، فالمواجهة السياسية مع الحزب ستصلب عود الاخير داخل طائفته والمواجهة العسكرية ستؤدي حتما الى تقويته في الطائفة، حسب علوش.
من هنا، ليس أمام الحريري وجنبلاط معه سوى الرهان على دور بري في هذه المرحلة التي، وإن كانت ستشهد مواقف حريرية متشددة النبرة، فإنها لن تذهب نحو المواجهة بينما سيعمل الحريري على تصليب العود «المستقبلي» قدر الإمكان وتمرير المرحلة. 
أما لناحية العلاقة المهتزة مع «العهد» وقوامه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ومعهما رئيس الحكومة حسان دياب، فسيحتفظ الحريري بموقف عالي النبرة منهم مع علمه تماما بأن فقدان البديل لدياب، موالياً كان أم معارضاً، سيبقى سر قوته والمزود الأساس لصموده في هذه المرحلة.