بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2017 01:16ص الحريري والتسوية: كيف يُمكن تحييد لبنان عن المغامرات القاتلة؟

واشنطن ليست في وارد تقليص حضورها على الساحة اللبنانية.. ومواجهة «حزب الله» في إطار «القوة الناعمة»

حجم الخط

«زيارة السبهان إلى الرقة ليست حدثاً عابراً بل رسالة على انخراط المملكة بمواجهة مع إيران في كل الساحات»


بدا واضحاً موقف رئيس الحكومة سعد الحريري في رده على مداخلات النواب اثناء مناقشة مشروع قانون موازنة العام 2017 إنه ماضٍ في التسوية السياسية حتى النهاية، مهما اشتدت الضغوط الداخلية عليه والضغوط الخارجية على لبنان. وهو موقف ينبع من قناعة لدى المنخرطين في التسوية أن لا بديل عنها في المدى المنظور وأن الاستمرار فيها أقل كلفة على لبنان من الخروج منها. وغياب البدائل عن التسوية هي أصلاً التي قادت إلى الانخراط في التسوية منذ عام بعدما باتت مؤسسات الدولة مهددة بالانحلال وملامح الخطر تحيط بالوضع المالي العام.
تأكيد الحريري في هذه اللحظة على تمسكه بالتسوية ووجوب الاّ تكسرها الخلافات السياسية التي يقصد بها سلاح «حزب الله» ودوره خارج الحدود، يكتسب أهمية كبرى بدلالاته، ولاسيما أن تساؤلات كبرى كانت تُطرح على غير مستوى عما إذا كان الرجل سيكون قادراً على السير بمفاعيل التسوية، وهو المُدرك بحجم الضغوط الأميركية الآتية على «حزب الله» من خلال العقوبات ورفع مستوى المواجهة الى الحيِّز الدولي، معطوفة على ضغوطات خليجية ولاسيما سعودية، وهي ضغوطات ستطال شظاياها لبنان بأجمعه وليس فقط الحزب وبيئته الحاضنة. 
وفي رأي المراقبين أن مضي الحريري على رأس الحكومة يحمل في طياته دلالة على أن المظلة الدولية للبنان والحرص على استمرار الاستقرار فيه لا تزال متوافرة، حيث أنه من الواضح أن الاتجاه الأميركي في مواجهة «حزب الله» لبنانياً يعتمد على استخدام «القوة الناعمة» لا «القوة الخشنة»، وأن واشنطن ليست في اتجاه تقليص وجودها أو حضورها على الساحة اللبنانية بل في اتجاه تعزيزه. كما أن الاحتضان الدولي للبنان الذي يتجسد بالعمل على تنظيم 3 مؤتمرات في المرحلة المقبلة سواء في ما يتعلق بالاستثمارات في لبنان أو دعم الجيش والقوى الأمنية أو بحث أزمة النزوح السوري هو مؤشر على استمرار ما يمكن وصفه بـ «بوليصة التأمين» للبنان، تستوجبها ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني لاعتبارات عديدة منها ما يتعلق بإبقاء لبنان بعيداً عن الحروب المشتعلة حوله وعدم تحوله إلى بؤرة توتر مع وجود هذا العدد الكبير من النازحين الذي من شأنه أن يهدد بتفلت الوضع نحو هجرة جديدة من جهة ونحو اهتزازات داخلية ستربك القوى الدولية الراعية لهذا الاستقرار والمراهنة على دور لبنان كمنصة لإعادة الاعمار في سوريا مستقبلاً.
ووفق المتابعين، فإن الحريري الذي دخل التسوية لاعتبارات وطنية واخرى سياسية تتعلق بوضعه ووضع تياره وحاجته إلى أن يكون في قلب الحكم، يدرك أنه يشكل اليوم حاجة وضرورة لـ«حزب الله» بأن يكون على رأس الحكومة نتيجة الغطاء السياسي الذي يوفره له إنطلاقاً من ثقله وتمثيله ضمن الطائفة السنية. فاستمرار الحكومة كما استمرار الاستقرار الداخلي سواء الاقتصادي والمالي أو الأمني أولوية للحزب الذي يريد أن يبقى ظهره محمياً فيما الحروب تشن عليه من غير جهة وهو يخوض المواجهات في الساحات المشتعلة. تلك الأولوية اليوم ستجعل «حزب الله» يتجنب الملفات التي من شأنها أن تؤجج الصراعات الداخلية أو أن تهدد بتفجير الحكومة وإرباكها.
 وفي هذا السياق، فإن ما وصفته جهات لصيقة بـ«حزب الله» من أنه لا يمانع في التراجع خطوة إلى الوراء للحفاظ على الاستقرار الداخلي، سيجد ترجماته في إطار ما سمي بالحاجة إلى الاحاطة بالحريري وتخفيف الضغط عنه ضمن بيئته أولاً، لكن الأهم عدم إحراجه سياسياً في العلاقات مع المحيط العربي ولاسيما في مسألة التطبيع مع سوريا من بواية الضغط في ملف عودة النازحين التي يدرك الحزب أنه عنوان تفجيري لا يمكن لرئيس الحكومة تحمله على مستواه الشخصي وعلى مستوى علاقة لبنان مع دول الخليج. وهذا يفسر انخفاض وتيرة الحديث عن «التطبيع» وعودة الاعتبار إلى المسؤولية الدولية في ملف النزوح في المقابل تأكيد الجميع أن أحداً لا يمانع في العودة الطوعية للنازحين.
الحرص على صون الحريري والحكومة من جانب «حزب الله» في ترجمة لضمان استمرار التسوية وحرص رئيس الحكومة على البقاء على رأس السلطة الثالثة لضمان استمرار التسوية هو الآخر قد يكون المعادلة القادرة على لجم أي اندفاعة متهورة من كل الأطراف سواء الداخلية أو الإقليمية ، خصوصاً أن الساحة السورية أضحت المسرح الذي يتسابق عليه الجميع لرسم معالم النفوذ وحجمه والذي تتم فيه لعبة تحسن الأوراق كما تصفية الحسابات ولاسيما في إطار المواجهة الدائرة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وبين إيران من جهة ثانية، فليست زيارة وزير شؤون الخليج ثامر السبهان إلى الرقة هي بالحدث العابر في توقيتها ومكانها، فهي تدل على أن المملكة العربية السعودية منخرطة في المواجهة الكبرى مع طهران على مختلف الساحات التي تتواجد فيها إيران وأذرعها العسكرية من ميليشيات شيعية وعلى رأسها الذراع الأقوى «حزب الله»، وهناك في تلك الساحات سيتم تحديد الأدوار والأحجام ومآل النهائيات على وقع التوافق الأميركي- الروسي ومصالحهما سوياً مع الدول المؤثرة. من هنا يصبح الهاجس الداخلي كيفية الحفاظ على لبنان وتحييده عن المغامرات القاتلة ما دامت المعادلات الكبرى ستتكفل بالباقي ومنها مستقبل «حزب الله».
رلى موفق