بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تموز 2018 07:07ص الحزب المسيحي القائد وتلاشي التسويات؟!

«الإيديولوجيا الإعلامية» في خطاب باسيل

حجم الخط
من استمع باهتمام إلى ما قاله رئيس «التيار الوطني الحر»، وهو للمناسبة، نائب ورئيس «تكتل لبنان» القوي، ووزير لا يرغب بالبقاء في الحكومة، لا سيما وزارة الخارجية، نظراً لانشغالاته المتعددة داخل التيار وخارجه، وداخل السياسة وخارجها، يُدرك حجم المخاض الصعب، الذي تمر فيه العلاقات داخل التيارات السياسية، وداخل الطوائف، من زاوية، إعادة بناء الوقائع اللبنانية، سواء داخل «البيت الطائفي» لكل طائفة، أو لجهة العلاقات داخل الجسم الطائفي اللبناني ككل.
كان باسيل يتحدث من على منبر محطة تلفزيونية، تصنّف أنها قريبة من أجواء «القوات»، وكأنه الحاكم الناهي، بعد  وصول العماد ميشال عون إلى سدَّة الرئاسة الأولى..
التقط رئيس التيار النائب والوزير «سرّ اللعبة» كما يقال، وانبرى يتصرف كأنه الحاكم الفعلي، والآمر الناهي، سواء في ما خصَّ الحكومة، أو المقاعد، أو المشاريع المطروحة..
وعلى طريقة «السفسطائية اليونانية» أيام الحكم الديمقراطي في اثينا، حاول باسيل ان يضع خصومه في الزاوية، من مقاربة تتأرجح بين الوقائع، والوقائع المجتزأة أو المغلوطة.. فهو يتحدث عن حقوق، من دون ان يتبين مصدرها. فلا يحق «للقوات» ان تطالب بتنفيذ اتفاق يحمل توقيع الرجل، وبصفته الحزبية، ولا يحق للنائب السابق وليد جنبلاط ان ينبس ببنت شفة، فهو لا يمثل ميثاقياً الدروز، ولا تجوز الاحادية، ذلك لأن حليفه الأمير طلال أرسلان، يتعين ان يمثل في الحكومة.. وهو لو قال ما قاله باسيل من ان الميثاقية تعني ان القوي في طائفته، هو الذي يتعين ان يحكم، كانت المصالحة في الجبل معرَّضة للانهيار.. وإذا اندفع الرئيس سعد الحريري إلى مؤازرة حليفه سمير جعجع رئيس حزب «القوات» وجنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، كان يعرّض بذلك التسوية لخطر شديد، وبالتالي يُسأل عن الميثاقية أيضاً.. وحكم الأقوياء، وما بذله الرئيس عون وفريقه الحزبي والسياسي أيام أزمة الاستقالة الشهيرة.
يضع باسيل جدول الأعمال، أو ما يعرف «بالإيديولوجيا الإعلامية» أو Agenda Setting، هكذا تكون الأولويات، وفي المنهجية الخبيثة والمكشوفة، ينطلق الرجل من مسلمات، تصبح قواعد في السياسة، هو يوزّع حصص الطوائف، وباسم تفاهمات معينة، على ممثلي هذه الطوائف ان تقبلها شاكرة:
1- فللشيعة العاقبة، (الجنة في الحياة الثانية) أليست العاقبة للمتقين، ولا بأس فليقاتلوا الإسرائيلي، ويستشهدوا، وليقاتلوا «العدو التكفيري»، وليستبسلوا، ولتكن المقاومة حكراً للشيعة.
...وبعد، يتساءل باسيل في غير مناسبة، لماذا لا ينضم إلينا السيّد حسن نصر الله في مكافحة الفساد؟ ولماذا لا ينضم إلينا في إعادة النازحين..
لقد خطا «حزب الله» الخطوة الأولى بكل الاتجاهات، وذهب إلى أبعد من ذلك، ومع ذلك، فقد أخطأت قيادة الحزب، عندما تجرأت على ترشيح الشيخ حسين زعيتر في قضاء جبيل وعن دائرة جبيل - كسروان، وعلى الحزب ان يعترف بالخطأ.. ثم يأتي النقاش تأسيساً على هذا الاعتراف.. أما حركة «امل» وهي المكوّن الآخر، لما يعرف «بالثنائي الشيعي» فالزمن يتكفل بمآلها، وربما ظروف أخرى.
2 - وللسنّة، دور في بناء الدولة، من زاوية التسوية الرئاسية، والتيار الباسيلي، يحترم ان الرئيس سعد الحريري لا يزال الأقوى في طائفته، وإلا لحرم رئاسة الحكومة..
3 - أمَّا «القوات» فدورها يأتي عبر حصة يرسمها التيار الوطني الحر، باعتباره هو «الحزب القائد» على الساحة المسيحية، فإذا قبلت كان به، وإذا اعترضت تكون تعمل على اضعاف العهد.. أمَّا قصة الفساد وتراكم الإخفاقات في وزارات «التيار الوطني الحر»، فهي من نسج الخيال، فالتيار لا يخطئ، والتيار فوق الشبهات، وخلاف ذلك، تكون جهات خارجية تحرّك «القوات».
4 - أمَّا باقي الطوائف المسيحية والصغيرة «فحط بالخرج»، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم..
أظهر رئيس التيار براعة في «خدش التفاهمات الوطنية»، وما اقترب من ملف إلَّا وأرهقه بالطروحات والخلافات والفلسفات. هو لا يقبل ان يقارنه أحد بكميل شمعون أو بيار الجميل، فهو الذي يريد ان يكون «المبعوث في المجتمع المسيحي» لاستعادة الحقوق.
ما هي الحقوق المستعادة، إدخال موظفين صغار بالتعاقد أو بصيغة أخرى، من الجمهور المسيحي إلى الدولة، ووضع اليد على وظائف المسيحيين.. فهو رجل «المناورة» و«المحاورة»، وحتى المقامرة.. من شعارات الميثاقية إلى الشراكة إلى تحصيل الحقوق.. و«تعزيز الدور المسيحي الوطني وصلاحيات رئيس الجمهورية وتحقيق الإصلاح المنشود..» وفقاًً لوثيقة معراب السرية، التي خرجت إلى الضوء، كاشفة عن تشكيك باستمرار ترشيح العماد عون (قبل ان ينتخب) وإعطاء الضمانة للحريري كممثل أعلى للسنّة في لبنان بالبقاء في رئاسة الحكومة.
إنما خارطة الطريق، قلب الطاولة على رؤوس الجميع، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وقضم اتفاق الطائف، من باب الحرص على تنفيذه كاملاً.
هل تكفي هذه المقدّمة المطوّلة لصياغة الاستنتاجات المطلوبة، في ما خصَّ تأليف الحكومة..؟ وهل بات من الممكن متابعة الخطاب الباسيلي على هذا الصعيد.. حكومة العهد وفقاً لمقاساته.. أو لا حكومة.. فهل انتهى زمن التسويات؟!