بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2017 12:58ص الخيارات الفلسطينية في مواجهة القرار الأميركي

حجم الخط
يُمثل قرار دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ضربة قاضية لعملية السلام التي انخرط فيها الفلسطينيون منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وما تبعها من مؤتمرات ومفاوضات، جرت جميعها تحت رعاية أميركية مباشرة. لقد اسقط هذا القرار آخر أمل بإمكانية تحقيق السلام باعتماد خيار الدولتين، كما تبدد «الحلم» الفلسطيني في إمكانية استعادة كرامتهم كأمة، وسيادتهم الوطنية.
من المؤكد بأن هذا القرار لن يحمل السلام والاستقرار للاسرائيليين، بل سيؤجج مشاعر العداء والكراهية بينهم وبين الفلسطينيين، حيث بات من المتوقع ان يثير عاصفة من الرفض والاحتجاج الشعبي، والتي تنذر باندلاع انتفاضة دامية جديدة.
تدفع الارتدادات المتوقع حصولها على القرار إلى التساؤل عن الأسباب والدوافع التي حدت بترامب لسلوك هذا المسار المغاير لكل المسارات التي اعتمدها من سبقه من الرؤساء الأميركيين، والتي حرصت على عدم التغيير في وضع القدس القانوني والسياسي. لقد حافظ هؤلاء الرؤساء على ضرورة الإبقاء على القدس كأحد العناصر الأساسية في التسوية النهائية للنزاع. وهكذا فإن ترامب قد بادر إلى نقض جميع المواقف التاريخية للإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إعلان هدنة 1949، والتي طالبت بوضع القدس تحت وصاية دولية، إلى حين التوصّل الى حل نهائي للنزاع.
حاول ترامب تغطية قراره «الشائن» من خلال التخفيف من مفاعيله السياسية والدينية والانسانية بقوله «بأن اليهود قد بنوا دولة، حيث يستطيع المسلمون والمسيحيون وكل أصحاب المعتقدات الأخرى ان يعيشوا بأمان ويمارسوا معتقداتهم». ويتضمن هذا التوصيف مغالطة كبرى حيث يتجاهل ترامب كل التدابير والضغوط التي تمارسها إسرائيل لمنع المسيحيين والمسلمين من الوصول الى كنائسهم ومساجدهم لممارسة شعائرهم الدينية. هذه الوقائع للممارسات الإسرائيلية هي التي دفعت ممثلي 13 رئيساً للكنائس المسيحية إلى استباق خطاب ترامب ومطالبته بعدم الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل، مؤكدين بأنه «يمكن تقاسم العيش بسعادة في المدينة المقدسة عندما تنجح العملية السياسية في تحرير قلوب الناس من اثار الصراع والدمار التي يواجهونها».
لا يمكن مواجهة تداعيات وتساقطات قرار ترامب من خلال التصريحات والتحذيرات التي أطلقها القادة العرب أو من خلال دعوة مجلس الأمن، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للاجتماع وإصدار هذه المؤسسات بيانات رنّانة تحذر وتشجب القرار، وتعيد التذكير بالوضع القانوني للقدس، ولن تجدي هذه التصريحات والبيانات في احتواء الخطط الإسرائيلية الجاهزة لتهويد القدس، واحتلال الأراضي والبيوت وتهجير سكانها من مسلمين ومسيحيين، وليكن معلوماً لدى الجميع بأن قرار ترامب هو نهائي ولا رجوع عنه، وان أي اجتهاد لغوي لتخفيف مضمونه ما هو سوى ذر رماد في العيون، ومحاولة مكشوفة لتخفيف الصدمة التي احدثها للفلسطينيين والعرب. يجب ان يُدرك الفلسطينيون والعرب بأن ما حدث في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما سحبت عشر دول سفاراتها من القدس احتجاجاً على إصدار قوانين إسرائيل باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، لن يتكرر، وبأن الاعتراف الأميركي سيشجع العديد من الدول لنقل سفاراتها إلى القدس.
على ضوء هذه الوقائع الجديدة، يبقى السؤال المركزي المطروح: كيف يمكن للفلسطينيين والعرب مواجهة نتائج هذا القرار؟ وما هي الخيارات المفتوحة امامهم لمواجهة هذا الاعتداء «الآثم» على حقوقهم ومقدساتهم؟
لا يملك الفلسطينيون سوى القدر اليسير من عناصر القوة لاستعماله في هذه المواجهة الخطيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ويدرك الفلسطينيون أيضاً مدى تراجع الموقفين العربي والدولي في دعم قضيتهم، منذ بدء احداث الربيع العربي. من هنا يمكن الاستنتاج بأن الخيارات المفتوحة امامهم في هذه المواجهة باتت محدودة ويمكن إنجازها على الشكل الآتي:
الخيار الاول: إعلان الانسحاب من اتفاقيات أوسلو، وسحب اعترافهم بإسرائيل ورفض أية وساطة أميركية من أجل معاودة المفاوضات بحثاً عن حل، ويتضمن هذا الحل الحفاظ على السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وتفعيل العمل الدبلوماسي مع الدول العربية والمنظمات الدولية وعواصم القرار.
الخيار الثاني: تجميد عمل السلطة الفلسطينية، والعودة للعمل ضمن منظمة التحرير مع كل ما يستوجب ذلك من خطط سياسية وعسكرية لمواصلة جهاد الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه مع العمل من الداخل والخارج.
الخيار الثالث: مواجهة مفاعيل القرار من خلال اللجوء إلى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، والعمل الجهادي المسلح من قطاع غزة، مع تحصين المصالحة مع حماس، والتنسيق ضمن استراتيجية محددة الأهداف.
بالإضافة إلى تكثيف العمل السياسي والدبلوماسي باتجاه مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية ومحكمة الجنايات الدولية، من اجل استصدار قرارات برفض القرار الأميركي والتأكيد بأن القدس هي أرض محتلة منذ 1967.
الخيار الرابع: قبول النصائح العربية بالتروي وعدم الانسياق نحو خيارات صعبة، وذلك تماشياً مع حاجة العديد من الدول العربية لدعم الإدارة الأميركية في مواجهة التحديات الراهنة ومواجهة النفوذ الايراني. ويتضمن هذا الخيار استمرار الاتصالات مع الإدارة الأميركية للبحث عن الصفقة التي يعدها جاريد كوشنر نيابة عن ترامب لتحقيق التسوية، مع العمل على احتواء النقمة والغضب الفلسطينيين من خلال تصعيد الخطاب السياسي للسلطة الفلسطينية ضد إسرائيل ومخططاتها.
أثبتت الاتصالات العربية مع ترامب مدى محدودية النفوذ العربي، بالرغم من مراهنة العديد من القيادات العربية على العلاقات الشخصية التي باتت تربطهم مع الرئيس الأميركي.
في هذا السياق، لا يمكن توقع ان يتعدى الموقف التركي حدود العمل السياسي والإعلامي الداعم للفلسطينيين، في الوقت الذي تستمر فيه إيران في إصدار مواقفها المزايدة وتهديداتها «الفارغة» ضد إسرائيل.
في التقييم النهائي، الفلسطينيون والعرب هم الخاسرون الفعليون من قرار ترامب، ومن المؤسف ان لا بدّ من الاعتراف بأن المستفيدين إلى جانب إسرائيل، هي إيران والمنظمات الجهادية والمتطرفة.
في المحصلة، سيؤدي إعلان ترامب إلى تعطيل حل الدولتين وسقوط الدور الأميركي كراع وحيد لعملية السلام، وتعميم حالة الفوضى وتجدّد المواجهات الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.