استطاعت الدولة العثمانية خلال أربعة قرون أن تمنع سقوط الولايات العربية بيد الدول الاستعمارية مثل فرنسا وإنكلترا والبرتغال وسواها.
لقد عاملت المسيحيين واليهود العرب معاملة جيدة، بل ممتازة، حسب الوثائق المسيحية واليهودية والقبطية المُعاصِرة، بل إن السلاطين العثمانيين ومن بينهم السلطان عبد الحميد الثاني والسلطان محمد رشاد أصدرا فرمانات سلطانية تضمّنت إعفاء المؤسّسات التربوية والرعائية المسيحية من الضرائب والرسوم، كما أصدرا فرمانات سلطانية بإعفاء الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية من الضرائب والرسوم الجمركية أو الرسوم البلدية والمالية باعتبار هذه المؤسّسات مؤسّسات وقفية.
فرمان عثماني
استطاعت الدولة العثمانية إنشاء أهم طرق المواصلات التي تربط جميع المناطق اللبنانية، والتي لا تزال مُستخدمة الى الآن، وأنشأت السكك الحديدية والترامواي وشركات المياه والهاتف والتلغراف والبرق واستخدمت الغاز لإنارة الشوارع وأنشأت أهم المصارف والمصانع، والمدارس الصناعية والمهنية، وغُرف الصناعة والتجارة وعملت على توسيع مرفأ بيروت المحروسة، وأنشأت أهم مراكز للبريد المحلي والعالمي، وأنشأت المدارس الحكومية والخاصة بما فيه مدارس المقاصد والكلية العثمانية ودار العلوم، والمستشفيات بما فيها المستشفى العثماني.
لقد أنشأت الدولة العثمانية العديد من السرايات والمؤسّسات التي لا تزال الدولة اللبنانية تستخدمها في بيروت المحروسة وفي أرجاء البلاد، كما تمَّ إنشاء جميع الكنائس والجوامع في العهد العثماني، ومن بينها ما هو في باطن بيروت المحروسة.
إنّ القوانين اللبنانية المرعية الإجراء بما فيه قانون الجمعيات الصادر عام 1909 لا يزال ساري المفعول الى اليوم، كما اصدرت الدولة قانونا عصريا للبلديات والمخاتير، وفي الوقت الذي فرضت الدولة على المسلمين التجنيد الإلزامي أعفت منه المسيحيين.
والحقيقة فإنّ الدولة العثمانية عيّنت الكثير من النوّاب والوزراء والمتصرّفين من المسيحيين والأرمن، ويكفي فخراً الدولة العثمانية حمايتها للولايات العربية بما فيها لبنان من الاحتلال الاجنبي، كما قامت بحماية فلسطين من الحركة الصهيونية.
إنّ أكبر جريمة اقترفها الاحتلال الفرنسي في لبنان وسوريا خلق الدويلات الطائفية بما فيه دويلات للدروز والعلويين والسُنّة والمسيحيين ومن جرائم الاحتلال الفرنسي خلق وزرع الطائفية والمذهبية بين اللبنانيين لضمان استمرار حكمه.
إنّ أكبر احتلال فرنسي في التاريخ ليس للبنان وسوريا فحسب، بل احتلال الاملاك الخاصة مثل احتلال الجيش الفرنسي لمعامل عرداتي وداعوق في رأس بيروت واحتلاله مدرسة المهن لعرداتي وداعوق ايضا، واحتلاله نادي بيروت والكازينو العثماني في حرج بيروت، أي قصر الصنوبر وهو مقر السفير الفرنسي اليوم، حيث احتل الجيش الفرنسي هذا المعلم الذي أسّسته مجموعة من كبار التجّار البيارتة وهم: أحمد مختار بيهم، ميشال سرسق، عمر بك الداعوق، ألفرد سرسق، الياس حبيب صباغ وغريب فرعون.
ومما يؤسف له أن دولة لبنان الكبير التي أُعلنت في الأول من أيلول عام 1920، أعلنها الجنرال غورو من قصر الصنوبر، الذي احتله واغتصبه الجيش الفرنسي من رجال الاعمال والتجار البيارتة المشار اليهم.
الدولة العثمانية دولة إسلامية مُفترى عليها. وهي كانت ضمن النظام الموحّد للبلاد العربية، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب الى عهد الدولة العثمانية، وهو حكم استمرار لهذا النظام الذي نشأ مع الخلافة الاسلامية.
إنّه من الظلم أن نحكم على الدولة العثمانية من خلال آخر أربع سنوات لها، أي 1914-1918 لأن حكّام هذه الفترة هم من القوى العلمانية والماسونية والدونمة واليهود وغالبية قوى «الاتحاد والترقّي» ليسوا من اصل اسلامي ولا عثماني ولا تركي.