بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2021 07:30ص السؤال: هل في لبنان مجتمع؟ وكيف يدافع عن مصالحه!

بعد مأساة العواصف وملهاة السلطة البائسة

حجم الخط
ليست المرة الأولى، التي يسقط فيها «المجتمع اللبناني» إذا صحَّ القول أن في لبنان مجتمعاً، بالمعنى التاريخي لنشأة المجتمع- أو المجتمعات البشرية، فعلى مدى عام ويزيد، تتكرر السقطات المجتمعية، من تكرار الثقة بعصابات الأوليغارشية الحاكمة، وهي بلغة أفلاطون، القلة التي تضع يدها على مقدرات الدولة، وتمعن بين تقسيم المجتمع بين فقراء وأغنياء: لاحظ المشهد اللبناني، تتزايد أعداد الفقر في هذا البلد- المعجزة، بمتتالية حسابية، وليست هندسية.. فكلما تفاقمت الأزمات، أو زادت أزمة عن معدلاتها، ارتفعت معدلات الفقر (من 25٪ إلى 65٪ وفقاً للإحصائيات الأخيرة)..

هؤلاء الفقراء، يذهبون إلى صناديق الاقتراع، ويدهم على الزناد، لوضع أوراق الاقتراع إلى مصاصي دمائهم.. من دون اكتراث للمشكلات الناشئة عن مثل هذه الخيارات..

من السقطات المريعة، الانخراط السريع، بتحركات زادت عن مئات الآلاف، بعد زيادة سنتات قليلة جداً، على استخدام تطبيقات الواتس آب فإذا بالبلد، يقترب من الدمار، وسط سلسلة اخفاقات وانهيارات، تعدت المعقول، سواء لجهة الضخامة أو الفترات الزمنية... ومع ذلك، لم تفلح مجموعات الحراك، التي استخدمت كل طاقتها في فترة محدودة، لا تتعدّى شهراً أو شهرين، من القيام بأي خطوة، ذات تأثير أو معنى..

وقع انفجار المرفأ في 4 آب، فعادت الروح بعض الشيء إلى الشعب بحثاً عن دور، في إعادة رسم المعادلات، فإذا بهذا الدور، يتوقف، بعد إسناد المسألة إلى محقق عدلي، غرق في ملف، أو يكاد من أسهل الملفات وأعقدها، دخلت عليه السياسة، فرسمت له حدوداً، تحت دعوات، إياك، والصيغة، وانتبه إلى الصلاحيات، فضلاً عن تدخلات، يقال أنها رسمت خرائط التحقيق، بمقدماته، وربما بنتائجه.. مع العلم أن أحد المحققين الدوليين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان يردّد، في معرض الإجابة عن سؤال أو رد شبهة، أنا أسير حيث تقودني الأدلة.. وهذا مثال واضح، حول كيفية إدارة التحقيقات والملفات المشبوهة بموضوعية ونزاهة..

فتح هذا الملف الطريق أمام تجاذبات وشبهات كثيرة ليس أقلها الإشتباك بين بعض الإعلام وبعض الأجهزة الأمنية، قبل أيام قليلة، في مشهد، يُفاقم حالة القرف والإستياء من الوضع الراهن.. «وتصبح مسألة» كم الأفواه مسألة وطنية، بصرف النظر عن الحاجة إلى الكلام أو الإنتقاد أو أي شيء، يتصل بقضية وطنية.. فواجب الصحافة أن تتكلم، وليس أن تأخذ صف السلطة، عادلة كانت أو ظالمة..

لاحظ الموقف، الذي اتخذه مجتمع الإعلام الأميركي، من الواشنطن بوست، إلى نيويورك تايمز، إلى أجهزة التلفزة، «فوكس نيوز» والـC.N.N , والـN.B.C، وغيرها، وصولاً إلى «تويتر» وفايسبوك، ومواقع تواصل أخرى، اعتراضاً على سياسات الرئيس الأميركي، الذي حزم حقائبه، ليخرج، شبه مطرود من البيت الأبيض، بانتظار مقصلة محاكمته، بعد إجراءات عزله.. كدرس له، ولسواه من الاستفادة مما توفّره الديمقراطية، للإنقضاض عليها..

إن اسكات الإعلام، بصرف النظر عن آليات قوانينه وأنظمته، هو سقوط مريع، في خانة تدمير المجتمع، وأنظمة الرقابة، التي لم يبقَ منها، عن حق أو وطن، سوى أجهزة التلفزة، وبعض الصحافة، التي تنوء تحت عبء الاستمرار، لكنها تقاتل دفاعاً عن المجتمع وحقوقه..

في المشهد الذابل هذا، انتهى عام كامل، بكل قباحاته وجمالاته (ربما اعترض معترض وقال عن أي جمالات تتحدث!!). أصرّ المغتربون اللبنانيون على المجيء إلى بلدهم الجميل، ومعهم العملات الصعبة، من الدولار إلى اليورو، وربما الاسترليني، فضلاً عن العملات الصعبة العربية، للعاملين في بعض دول الخليج العربي، التي جنوها من «مغاور الزمرد والياقوت» التي أخبرنا بها، ذات يوم فؤاد سليمان في «درب القمة».. فالبلد جمالاته، وما همهم من أزماته، ما كانت ليرة بلدهم انهارت، وأصبحت اجمل ليالي العمر.. كسهرة رأس السنة مثلاً، أو مشاهدة الأهل والأحبة، لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات، بدل إن كانت تكلف آلاف الدولارات.

أمَّا خبريات الكورونا، فلا بأس، ففي بلاد الإغتراب «أكثر من الهم على القلب».. وحتى لو جاءت نتائج الفحوصات «ايجابية» (تعني ان الخاضع لفحص الـ PCR، إذا كانت نتيجة إيجابية فهو مصاب، فهو أي المغترب، لن يمكث سوى أيام قلائل، ثم يعود، وليكن ما يكون..

في المنطق «اللامجتمعي»، الذي تحرك أصحابه المصالح الضيقة، والأنانية، انقسم أصحاب القرار، في ما خص إجراءات السلامة، في ظل التعبئة العامة (يعني إجراءات مكافحة كورونا) بين متحمس لمنطق الاقتصاد، أي استجرار الدولار، عبر المغترب مباشرة (وليس OMT) إلى البلد المنهك، في ظل إطلاق حاد حول إجراءات التقشف في المصرف المركزي، لجهة رفع الدعم عن بعض السلع الرئيسية كالدواء والطحين والمحروقات، (وربما الهواء في أزمة جديدة)، لتوفير الاحتياطي من العملات الصعبة، في المصرف المركزي.. كان الميالون إلى دعم الاقتصاد بدولارات المغتربين، غير مبالين بفتح البلد: متاجر، وفنادق، ومقاهٍ، ومطاعم، ومنتجعات، وشقق مفروشة، أكثر قدرة على فرض منطقهم.. (أي الميالون إلى الصحة، فبدا عليهم خفة وحياء، وصوت أقل انخفاضاً..).

مع اليوم الأوّل، وما تلاه، على مدى أسبوع، «راحت السكرة، ورجعت الفكرة» كما يقال.. ادرك المعنيون بالملف الصحي، وهم يختلفون على أصل الملائكة وأجناسهم، ان «الملق فلت» وأن المحظور وقع.. الكارثة الصحية ضربت المجتمع.. فأين المفرّ؟!

(الأسرّة في المستشفيات ضاقت بروادها، الطاقم الطبي بات تحت مرمى الهجمات الصاعقة، التي لا ينجو مَنْ تصيبه، إلا نادراً.. التجهيزات الخاصة بمكافحة الفايروس الجهنمي، الذي بإمكانه ان يجهز على الجنس البشري، بلا قنابل ذرية، أو نيترونية، أو نووية، بأيام أو أشهر أو سنوات قليلة..

انكشفت اللعبة، وتبيَّن للمجتمع ان لا حماية صحية له، فالتشريع تأخر للسماح بالتعاقد مع شركات اللقاح، وبلدان العالم.. بدأت المعركة مع الفايروس، من باب إنتاج اللقاحات، وأعطت الأولوية لمجتمعاتها وسكانها، وعلت الصحة في منظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة تحذّر من تمييز بين دول غنية ودول فقيرة... يا الله... أين هي العدالة وحقوق الإنسان!!

ذهب «التخبط اللبناني» في مجتمع اللامجتمع إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية، واقفال البلد لأحد عشر يوماً وليلة، على أمل تجديد الحالة، في ظل معطيات المسار الصحي، أي وضعية المنظومة الصحية، أو النظام الصحي، الذي يرزح تحت ضغوطات قاتلة، ليس أقلها سوء التدبير، وارتفاع الجشع لدى الجهات القابضة على الملف الصحي، وارتباطاته وتشعباته، من التجهيز، إلى الآلات، والأدوية، وحتى اللقاحات.. فضلاً عن انعدام الثقة بين المكونات العاملة، فضلاً عن السلطة السياسية القابضة على مقدرات الأمور..

في بلاد تتعطل مؤسسات الضغط فيه، وينوء إعلامه تحت وطأة التمويل، والتهويل والملاحقة، ولا نقاباته تعمل، أو حتى أنديته، ولا احزابه، لها حول أو طول، خارج الولاء والوفاء، والفداء بالدم والروح... تحت شعارات يا غيرة الدين، ولا اعرف مع مين عم تحكي..

في بلد، يعجز مسؤولوه عن إدارة خلافاتهم، فيذهبون إلى نقطة اللاعودة، متجاوزين تقاليد ممارسة السلطة، ومعالجة الخلافات، مسقطين من حساباتهم ان المدخل لوضع خارطة طريق لمعالجة الملف الصحي، وإعلان الحرب على الوباء، يكون، وفقط يكون، ببنية سياسي متماسكة، لا تضع بالحسبان أولاً وأخيراً، مصلحة الميثاق، أو الدستور، أو التوازنات.. ألم يحن الوقت لبحث توازنات من نوع جديد.. توازنات الاقتصاد والصحة، والانتاج والإنفاق، في عالم يتغيّر، على نحو كارثي، بصرف النظر عن مجيء جو بايدن، ذي الوجه المتسامح، أو ذهاب دونالد ترامب، ذو الوجه المسم، المكفهر، الشاحب..

الوقت الآن، ليس لتقييم هذه المرجعية أو تلك، من زاوية ان «الدنيا وجوه وأعتاب»، الوقت، الآن، تتصل فقط بالحاجة، إلى إعادة انهاض عناصر القوة في مجتمع متفكك، مفتوح، متعدّد، فيه ثقافات، لا نرى فيه مصلحة الا في المكاسب الشخصية.. فالناس على دين ملوكهم، كما يردد ابن خلدون في المقدمة الشهيرة..

ولا حاجة، بعد لمقدمات أو استنتاجات.. فالصورة واضحة، لا أحد يحمي المجتمع إلَّا المجتمع، لقد آن الأوان لإعادة بناء المجتمع، من زاوية مصالح الكل، وليس الأجزاء.. والخطوة الأولى، الإلتزام بالنظم والقوانين... وإعلان المجابهة حتى الموت، مع الخارجين على النظم والقوانين ومصالح الجماعة التي هي مصالح المجتمع؟!

تقرير إخباري «اللواء»