خلال احتفال أسرة مجلة «الامن العام» بالعيد السادس لانطلاقة العدد الاول، ساورني قلق عميق عن مقالتي التي افتتح بها السنة السابعة. وقد رأيتني منحازا الى نقاش قديم ـ جديد عن التنافس المحموم بين الاعلام الورقي وبين الاعلام الالكتروني من جهة، وبين جدوى استمرار الإصدار الورقي من جهة ثانية.
حتماً لن اخفي في الاسطر التالية انحيازي الى الاعلام الورقي ووجوب استمراره ـ ليس بقرار شخصي فحسب ـ انما بإرادة قراء كثر ما زالت الصحافة الورقية خيارهم الاول، وهم للمناسبة ينتمون الى اجيال مختلفة بحسب ما في حوزتنا من دراسات واحصاءات عن ثبات الاعلام الورقي في السوق على الرغم من مسار تراجعي ساد لسنوات، وتسبب ويا للاسف باغلاق صحف عدة وصرف صحافيين يشهد لهم بمهنيتهم وتضحياتهم في سبيل جعل الصحافة دائرة تنويرية واعلامية هدفها صناعة رأي عام واع ومثقف.
مجلة «الامن العام» التي تصدر بنسختين واحدة الكترونية واخرى ورقية معنية جدا بالانخراط في هكذا نوع من النقاش، ومن موقعها كمجلة شهرية وليس كمطبوعة يومية. وما ينطبق على الاخيرة، تمويلا واعدادا واهدافا، مختلف تماما بالنسبة الى المطبوعات الدورية سواء في اللغة التحريرية ام في فئة القراء المستهدفين. ومن دون اي ادعاء او مفاخرة، اثبتت «الامن العام» على امتداد السنوات الست الماضية انحيازها الى ارفع المعايير الصحافية، عبر معالجتها المتوازنة والحرفية لسائر القضايا والموضوعات، وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية…. ولم يُسجل عليها مرة واحدة ان صدرت مروّجة لرأي على حساب رأي آخر، لا بل تعاطت مع مختلف القضايا الشائكة وعلى كثرتها بميزان من ذهب، فاسحة في المجال امام مختلف الآراء ووجهات النظر، وحتى على مستويي المساحة والعناوين للاطراف المتعارضين.
لهذا الغرض كرّست اسرة التحرير الجهد الصادق في تناول قضايا الناس ومشاكلهم في ميادين الصحة والتعليم والبطالة. فكانت المجلة لكل الناس وكل الطبقات. وكانت للموالين كما للمعارضين. الانحياز الوحيد الذي يُسجل عليها ولها، هو انها كانت في صف الدولة وليس السلطة، وهذا الفارق ليس ببسيط او سهل على المجلة التي لا يضيرها، لا بل يُشرفها انها تصدر عن المديرية العامة للامن العام. ولهذه الاسباب الدور الاساس في القدرة على الاستمرار ورقيا والكترونيا، وإن كان الشق الرقمي سيشهد خلال العام الحالي تحديثات تواكب التطور التكنولوجي. وهذا الكلام لا يعني في حال من الاحوال ان المطبوعات اليومية او الدورية التي اقفلت ابوابها كانت تشوبها عيوب تقنية، او انها كانت منقوصة الحرفية. فالجميع يعرف ما حل بقطاع الاعلام لاسباب بعضها سياسي، وبعضها اقتصادي مرتبط بالتمويل وبحجم السوق الاعلانية.
في المفاضلة بين الاصدار الورقي ورديفه الالكتروني، شأني كغيري من ابناء جيلي وحتى لاجيال تلت يفضلون المطبوع على الرقمي، لاسباب شتى الغالب فيها العاطفي والنفسي في العلاقة مع الورق ومتعة تلمس الورق في الصحف والمجلات والكتب، وان كان العامل الاساس الى الآن وعند الغالبية هو في اعتبار كل مكتوب مرجعية ووثيقة غير قابلة للتلاعب، كما الحال بالنسبة الى الارشيف الالكتروني. وما يسري على المطبوعات يصح اينما صحة على الكتب ودور النشر في منافستها الذاتية مع المكتبات الرقمية.
الى كل هذه الاسباب، اثبتت حركة التاريخ البشري في التوثب نحو المستقبل، انه لا يوجد فصل حاد بين آني ومستقبلي، غالبا ما بقي الحالي ملازما للمستقبلي ومتوازيا معه الى هذا الحد او ذاك، وإن كانت النتيجة الحتمية في غلبة الجديد على القديم، لأن زخم التقدم العلمي والرقمي يؤكد ان المسار الالكتروني يحمل اجيالا من التقدم والتطور.