بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 حزيران 2018 12:00ص الصدفة ومستشفى الجامعة الأميركية في بيروت

حجم الخط
«الصدفة خير من ألف ميعاد». مثل طالما تردّد بين النّاس. الصدفة كلمة يطلقها الإنسان للتعبير عن موقف معين أو نتيجة إيجابية سببتها.
هذه المقدمة، أسوقها من ذكرياتي في أمر جلل حدث معي في أوائل الستينات من القرن الماضي، إذ بينما كنت أسير مشياً على الاقدام في أحد شوارع بيروت إذا بي ألتقي مهندساً كنت اعرفه ولم يكن على علم انني عضو في مجلس بلدية بيروت. تبادلنا بعض الشؤون العامة وفجأة نظر إليّ وقال:«شو هالبلد وشو هل الموظفين فيه» وتابع قائلاً انه مهندس كلفته جهة أميركية معينة ان يتقدّم من بلدية بيروت بمشروع بناء مستشفى جامعي أو بالأصح مركز طبي شامل لمختلف الاختصاصات وذلك للحصول على الرخصة اللازمة له كي يتمكن من مباشرة العمل في تنفيذ المشروع. أضاف بتعجب ان دائرة البناء في البلدية رفضت الرخصة لأن المشروع يلحظ وجود إمتداد البناء المنوي تشييده فوق الطريق.
أضاف أيضاً، إن أصحاب المشروع، بسبب رفض البلدية له ينوون نقله إلى دولة الباكستان. عندها عرَّفته عن صفتي كعضو في المجلس البلدي لمدينة بيروت وطلبت إليه ان يمهلني اسبوعاً لحل المشكلة. في اليوم التالي، كان لي موعد مع انعقاد جلسة بلدية. في تلك الجلسة، اعلمت زملائي رئيس وأعضاء المجلس بما جرى معي وطلبت ان يحضر على الفور رئيس مصلحة الهندسة في البلدية المهندس جورج رياشي.
حضر المهندس رياشي واعدت إليه شرحي لموضوع المستشفى، فإستغرب معي وقال أمام المجلس «إعتبروا ان الرخصة قد أعطيت للمشروع». وهذا ما حصل بالفعل، فأبلغت مهندس المشروع بموافقة البلدية على اقامته وطلبت منه متابعة إكتمال المعاملة.
هذه المعاملة، ذكرتني بمشروع القانون الذي قدمه المغفور له ريمون إده إلى وزارة المالية ليطلعها عليه قبل ان يقدمه إلى المجلس النيابي ويتعلق بإصدار قانون يحدث الحساب السري لدى المصارف لا يُذكر فيه اسم صاحبه بل يعطي رقماً معيناً يقوم مقام الإسم. رفضت وزارة المالية فكرة المشروع بحجة انه يُخفي أرباحاً قد تكون محققة لأصحابها، فيؤدي ذلك إلى حرمان الخزينة من الضريبة على الأرباح. إستخف العميد ريمون إده بما قاله الموظف ومضى بمشروعه حتى اقره المجلس النيابي وسُمي قانون سرية المصارف.
اردت إيراد ما سبق لأبين عقلية أكثر الموظفين حين يُجابهون بمعاملات تخرج عن المألوف منها والتي إعتادوا النظر بها.
يا رب، أكثر من الصدف ليزداد الخير في لبنان.

* نائب ووزير سابق.