بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 نيسان 2020 12:00ص الصراع بين «أبو سعدى» و«أخو عدلا» في الشوف

حجم الخط
في السادس عشر من آذار، تصادف الذكرى السنوية الثالثة والأربعين لإستشهاد الزعيم كمال جنبلاط، ولمناسبة هذه الذكرى الأليمة في تاريخ لبنان وطائفة الموحدين الدروز وعائلة جنبلاط، نستذكر أحد أهم الشخصيات التي تركت أثراً مهماً ألا، وهو بشير جنبلاط . هو الشيخ بشير بن قاسم بن علي بن رباح (1825-1775) ولد في بعدران في العام 1775, في دار أجداده لأبيه, التي كانت مقراً لزعامة قديمة. وكانت الزعامة الجنبلاطية مقسومة وقتها الى قسمين, قسم في بعدران بزعامة الشيخ قاسم والد الشيخ بشير, وقسم في المختارة بزعامة الشيخ نجم عم الشيخ بشير، وقد حصل صراع بين القسمين، وكان النصر حليف الشيخ بشير وأخيه حسن أولاد الشيخ قاسم، ففي نيسان 1793، هجم الشيخ بشير وأخوه حسن على أولاد عمهما نجم وقتلاهما في المختارة, وهكذا انفرد الشيخ بشير بزعامة آل جنبلاط. وقد لجأ الى جبل الدروز لفترة, واستطاع أن يغري الجزار, فعيّنه أميراً على الشوف، وفي ذلك الوقت، تم تثبيت الأمير بشير الشهابي في كرسي الحكم بدعم من الجزار والشيخ بشير جنبلاط، والمعروف عن بشير الشهابي انه يتقن فن السياسة ويجيد التلاعب بين التوازنات الكبرى, وقال فيه المؤرخ فيليب حتي أنه: «مسيحياً بالمعمودية، مسلماً بالزواج، ودرزياً بالمصلحة».

وقف الشيخ بشير جنبلاط الى جانب الأمير بشير وسانده وأزره بماله ورجاله، وقد قال الرحّالة السويسري بيركهارت الذي زار المنطقة وقتها, ان سلطة الأمير بشير لا تعدو كونها مجرد ظل, أما السلطة الحقيقية فهي في يد الزعيم الدرزي الشيخ بشير, وكان الناس يرددون القول (الصيت لأبو سعدى - الأمير بشير - والفعل لأخو عدلا - الشيخ بشير).

إزداد نفوذ الأمير بشير، حين تحالف مع محمد علي باشا والي مصر, وكان الأمير بشير قد تعاون مع الشيخ بشير للقضاء على النكديين والأرسلانيين والعماديين والملكيين, وبذلك كسر شوكة فريق هام من العائلات الإقطاعية الدرزية في لبنان، لكن التحالف بين البشيرين لم يدم فوقع الإنفصال بينهما عام 1825، وشكّل منعطفاً حاسماً في تاريخ حكم بشير الشهابي، حيث شعر هذا الأخير أن الشيخ بشير جنبلاط يشكّل خطراً عليه، خاصة أنه بعد قمعه للعاميين المسيحيين، أعلن رسمياً إعتناقه للمسيحية، وإستند أكثر على القوة العددية للمسيحيين في محاولة للتغلب على المقاطعجية الدروز، وهنا جاء دور الجنبلاطيين والعائلات الدرزية الموالية لهم ليقضي عليهم, فكان الصراع بين البشيرين إمتداد لصراع إقليمي على السلطة بين والي دمشق ووالي عكا، فقد إنحاز بشير جنبلاط الى والي دمشق، فيما كان بشير الشهابي ملتزماً بتحالفه مع والي عكا، فكان أن قام الشيخ بشير جنبلاط بجمع جيش زاد عن خمسة آلاف محارب, وأخذ يستعدّ للقتال, في حين أن بشير الشهابي, أخذ يتهيّأ للهرب وبعث يستنجد بمحمد علي باشا والي مصر، وحين هاجمته جنود بشير جنبلاط, تظاهر بأنه يتقهقر, وأيقن بشير جنبلاط بأنه كسب المعركة, فسرّح جنوده وعادوا الى بيوتهم, لكن بشير الشهابي إعتمد الخديعة، وفي هذه الأثناء وصلته النجدات من كل الأجزاء, فألقي القبض على الشيخ بشير جنبلاط, وأرسل مع ولديه سليم وقاسم والشيخ علي العماد الى عكا. وقد طلب الأمير بشير من عبد الله باشا إعدام الشيخ بشير, لكن هذا احترم الشيخ وسمح له بالتجوال خارج السجن. ولمّا رأى الأمير بشير ذلك طلب تدخّل محمد علي باشا, فضغط على عبد الله باشا وقام هذا بإعدام الشيخ بشير والشيخ علي العماد.

كانت مرحلة البشيرين من أهم مراحل الحياة السياسية التي مرَّت في تاريخ جبل لبنان، وقد قال كمال جنبلاط : «إن لبنان في تكوين واقعه التاريخي لبنانان: لبنان ما قبل الأمير بشير الشهابي الثاني ولبنان ما بعد الأمير بشير الشهابي الثاني. وبين العهدين جرح عميق وفجوة مؤلمة وتحوّل جراحي من حال الى حال جرى بمبضع الأجنبي».





(ماجستير في التاريخ)