بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الثاني 2019 12:00ص الصراع داخل البيت على الصلاحيات يُطيل عمر أزمة التأليف

الإنتفاضة تسحب البساط من تحت أقدام السُلطة بقرار فتح الطرقات

حجم الخط

مشهد آخر يؤشر عملياً إلى بداية تهاوي هذه السلطة ألا وهو الصراع على الصلاحيات  التي نص عليها الدستور، والمقصود صلاحيات رئيس الحكومة بتشكيل الحكومة بعد استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية


غداً تدخل الانتفاضة الشعبية اسبوعها الرابع، والمشهد العام لم يتغيّر، الشعب لا يزال يملأ الساحات من أقصى الشمال إلى أقاصي الجنوب، يُصر على تحقيق كل مطالبه بدءًا بإسقاط المنظومة الحاكمة، والاتيان عبر انتخابات نزيهة وشفافة بمنظومة جديدة تمثله، وتبادر إلى تحقيق كل مطالبه في ما عدا امراً واحداً هو إعادة فتح الطرقات واستبدالها بتعطيل المرافق العامة في البلاد، كوسيلة ضغط على هذه المنظومة لعلها تستفيق وتتخلى طوعاً عن امتيازاتها، اما بالنسبة إلى المنظومة فما زالت على حال العناد، ومحاولة الهروب إلى الامام، أحياناً بإطلاق الوعود بالاصلاح واحياناً بالتحريض على هذا الشعب الثائر ومحاولة تصويره بأنه خرج على الأصول الديمقراطية أو اتهامه بالعمالة للخارج. وتنفيذه اجنداته التي لا تريد الخير لهذا البلد، من دون ان ننسى اللجوء إلى أساليب الترهيب واستحضار الشارع المضاد كما حصل أواخر الأسبوع الماضي، عندما انزل التيّار الوطني الحر أنصاره إلى الشارع دعماً لرئيس الجمهورية ولرئيس التيار الوطني الحر المستهدف الأوّل من أبناء الثورة، الأمر الذي جعل الشعب يرفع منسوب اعتراضه ويرد في اليوم الثاني وبعده على تظاهرة القصر الجمهوري برفع منسوب نزوله إلى الساحات العامة، وكأنه بذلك يرد على التحدي بأكبر عنه، ويؤكد من جديد تصميمه على البقاء في الساحات إلى ان تذهب كل المنظومة التي ما زالت تقبض على زمام السلطة إلى بيوتها غير مأسوف عليها.

حسناً فعل الشعب اللبناني عندما استجاب لقرار قيادة الجيش وانسحب من الطرقات الرئيسية مكتفياً بتعطيل المرافق العامة الأساسية، لأنه بذلك سحب البساط من تحت أقدام السلطة، وأحبط ورقه أساسية استخدمتها ضده لاظهاره بغير المظهر السلمي الذي اختاره منذ اليوم الأوّل من انطلاقة ثورته، وبذلك يكون قد سدد ضربة كقوية لها واسقط من يدها آخر خرطوشة يُمكن ان تلجأ إليها لتشويه صورته واظهاره بمظهر الخارج على القانون الذي يريد ان يقتل الناطور لا أن يأكل العنب على حدّ المثل اللبناني المعروف، وحسناً فعل عندما ضبط حركته وأخرج من صفوفه أولئك المندسين الذين دأبوا على استخدام أساليب الشتم والسب في أرباب السلطة أنفسهم، وبذلك يكون الثوار قد فوّتوا كل الفرص على الذين انحرفوا عن ثورته بحجة ان الثورة انحرفت عن سلميتها، واستسلمت كما يشيعون إلى اجندات خارجية تعمل على تخريب هذا البلد بإختراع ذرائع غير قابلة للتنفيذ كمثل تغيير النظام خارج الأطر الديمقراطية التي نص عليها الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني التي يحتفل اللبنانيون من ضمن الثورة على مرور ثلاثين عاماً على اقرارها، ووضعها موضع التنفيذ.

وامام هذا المشهد الحضاري الذي سجله الشعب اللبناني في الأيام القليلة الماضية والذي تجلى بإسقاط ذريعة قطع الطرقات التي استخدمتها السلطة ضده بهدف الالتفاف على حركته الاعتراضية، بدا مشهد آخر يؤشر عملياً إلى بداية تهاوي هذه السلطة ألا وهو الصراع الذي تجدد على الصلاحيات التي نص عليها الدستور، والمقصود بذلك صلاحيات رئيس الحكومة الذي اوكل إليه الدستور صراحة مهمة تشكيل الحكومة بعد استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية في أعقاب استقالة الحكومة، والذي حصل ان رئيس الجمهورية لم يُبادر كما جرت العادة، وكما نص على ذلك الدستور إلى تحديد موعد لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة، وذهب بدلاً من ذلك إلى اجراء مشاورات سياسية للاتفاق على الحكومة الجديدة التي يجب ان يتولاها رئيس الحكومة المكلف، الأمر الذي اعتبرته الطائفة السنيَّة تجاوزاً بل تعدياً على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال ان يسبق التأليف التكليف، إذ لا يُمكن الذهاب في اتجاه تحضير وانضاج الطبخة الحكومية قبل تكليف رئيس الحكومة، وهذا يعتبر انتقاصاً من صلاحيات رئيس الحكومة العتيد، مما قد يؤدي إلى إعطاء رئيس الجمهورية والأطراف السياسية الأخرى مكتسبات لا يلحظها لهم الدستور. فضلاً عن ان اللقاءات والاجتماعات التي يجريها رئيس الجمهورية وراء الغرف السوداء تشكّل أكبر تعدٍّ على صلاحيات الرئيس المكلف، لأن التكليف وفق ما ينص عليه دستور الطائف هو الخطوة الأولى التي تسبق التأليف المنوط بالرئيس المكلف، والتكليف من مهمة مجلس النواب بناء على استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية، هذا هو حال الدستور في الظروف العادية فكيف الحري في ظروف استثنائية كالتي تمر بها البلاد حالياً ألا يستوجب الأمر الاستعجال في تحديد موعد للاستشارات النيابية من أجل تكليف رئيس الحكومة الذي عليه وحده تقع مسؤولية التأليف وعرضها على رئيس الجمهورية لأن مرسوم  التشكيل لا يصدر إلا بموافقة رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الرئيس المكلف.

بناءً على ما تقدّم، يخشى مقربون من حزب الله الذي يعمل بعيداً عن الأضواء الإعلامية لإيجاد صيغة تسوية بين رئيس الجمهورية والرئيس سعد الحريري كونه الأبرز لترؤس الحكومة الجديدة ان يُفضي هذا الصراع المفتوح بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ما لم يتم احتواؤه إلى توجيه ضربة قاضية إلى ما تبقى من التسوية الرئاسية التي تمت تحت عنوان عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة.