بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الأول 2020 12:02ص العدل أساس الملك... نعترف أمام الله نعترف!؟

حجم الخط
قال لي أحد الأصدقاء المحبين، دعني أسدي لك نصيحة ببلاش والنصيحة كانت بجمل.. وأردف يقول، اسمع مني ولا تتعب نفسك بكتابة المقالات التي تضيء خلالها على فساد الطغمة الحاكمة في لبنان، سألته عن سبب نصيحته تلك، أجاب: لقد صُمّت آذانهم وباتوا لا يسمعون أو يفقهون لما يقال ويُكتب عنهم وعن فسادهم، بالسر أو بالعلن، مضيفاً، ان الحبر الذي يسال على الورق بشأنهم لا بدّ انه يذهب هدراً وسدى، منهياً كلامه بالقول، لسنا بقادرين أن نفعل مع أولئك المسؤولين شيئاً، وما علينا الا الانتظار حتى تحين ساعة الحساب معهم.

فكرت ملياً بما قاله لي صديقي المحب، وأعترف، وبالاذن من السيدة ماجدة الرومي التي غنت: «نعترف أمام الله الواحد نعترف»، أنني قد دخلت في صراع مع ذاتي ونفسي، محاولاً التفكير جيداً بنصيحة صديقي في هذا السياق.

وبعد التعمق بهذه النصيحة، أخذت قراري الحاسم بعدم الانهزام أمام مقولة صاحبي لا لشيء الا لأنني على يقين راسخ، بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولأنني قد تعلمت في صغري أن أكون باراً ناصحاً لمن جار، جريئاً بالحق على الباطل، ناصراً للضعيف المظلوم على القوي الظالم، فكيف بالاحري إذا كان ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بلبنان الوطن والكيان والمؤسسات ومصير اللبنانيين كل اللبنانيين من دون استثناء.

فعلاً قررت إثر ذلك كتابة هذه السطور بقلم من الحبر الناشف، الذي يعكس صورة عن جلدتهم الباهتة وخلقتهم الناشفة التي تكاد لا تضحك «حتى للرغيف السخن»، ومع ذلك لا بأس فالكتابة عن مآثرهم وفسادهم وارتكاباتهم لا بدّ أن تفعل فعلها لدى الناس الطيبين الذين باتوا يعرفونهم جيداً بالأسماء والكنية والالقاب والعناوين.

لا أيها السادة، لم تقل الدساتير والشرائع السماوية ولا القوانين يوماًً أن «الملك هو أساس العدل»، إنما قالت بصراحة مطلقة ووضوح «العدل أساس الملك»، وعندما يُحاكي العدل والقانون والشرائع والدستور حالة أو جريمة أو فساداً، فإنه يبني بالتأكيد على ما لديه من وقائع واثباتات أو حتى شبهات للبناء عليها والسير قدماً في التحقيقات التي لا بدّ أن تقود للوصول إلى أدق التفاصيل لكشف الحقيقة والمستور معاً.

من هنا، لا بدّ للقضاء في هذا البلد من أن يأخذ دوره الفاعل حتى نهاية المطاف، فحذار حذار المس بمصداقية القضاء، «للقضاء على القضاء»، حينذاك يفلت زمام الأمور ويصبح «كل مين إيدو إلو» و«ما بيعود حدا فوق راسو خيمة».

لم تكد السجالات والتداعيات التي خلفها قرار المحقق العدلي القاضي فادي صوان تطفو على سطح الأحداث المتسارعة في لبنان بشأن استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين بينهم نائبان حاليان، باتوا معروفين بالأسماء، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي كما وسائل الإعلام أيضاً، بأبعاد هذه القضية، وسرت الآراء كالنار في الهشيم، وأصبحت على كل شفة ولسان وحديث الناس حول مؤيد أو معارض لهكذا قرار. أما لماذا وكيف فلا أحد يدري لأن الكل بات يخاطب الكل بلغة التحدي والتشنج والتعصب الطائفي والمذهبي من دون هوادة، وكل يغني على ليلاه في هذا المجال، كما كل منهم يفسّر القانون والدستور على هواه بحسب ما تقتضيه ظروف الطائفة والمذهب والحزب أو الزعيم أو الرئيس أو الوزير أو النائب أو المسؤول إلى ما هنالك.

فمن نادي رؤساء الحكومات السابقين إلى النواب والوزراء والشخصيات السياسية صدرت البيانات المتلاحقة، رافضة بشكل قاطع قرار القاضي صوان، معللة رفضها ذلك بأنه قرار غير دستوري وغير قانوني على الإطلاق فيما جهات أخرى من اللبنانيين رفضوا مثل هذا الرفض، وأيدوا قرار الرئيس صوان من دون تحفظ معتبرين أن جريمة المرفأ، والشهداء والضحايا والجرحى والمفقودين الذين دفعوا ثمناً غالياً من حياتهم عدا الخسائر المادية الجسيمة بالأرزاق والممتلكات نتيجة هذا التفجير المشؤوم يحتم على القضاء اللبناني، أياً يكن القاضي الممسك بهذا الملف، السير بالتحقيقات والإجراءات القانونية حتى النهاية بحسب كل المستندات والمعلومات المرتبطة بتلك الكارثة الإنسانية والوطنية الكبرى. وما نسمعه في هذه الأيام حول قرار القاضي صوان يعود بنا إلى سنوات خلت حين قام خلاف مماثل بين معظم اللبنانيين علي انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري والضحايا البريئة التي سقطت حينها أيضاًً، ناهيك بخلافات مماثلة بين المسؤولين في لبنان حول معظم الأمور وحتى التافه منها، والتي كادت أن تودي بالبلاد والعباد نحو الهاوية في أكثر من زمان ومكان.

لذلك لا بدّ من اتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة مع أي كان من المسؤولين من أعلى الهرم حتى أسفل القاعدة دون قيد أو شرط في حال اعتمدت مقولة «العدل أساس الملك» على أكمل وجه ودون استنسابية أو تمييز أو مساومة أو ممالقة لأحد مهما علا شأنه، وتبقى الايام القليلة القادمة كفيلة بتبيان الخيط الابيض من الخيط الأسود وحسم الجدل والصراع الكلامي والإعلامي والقانوني المتعلق بقرار القاضي صوان وردود الفعل عليه من هنا وهناك، وكل يحتمي بتفسير القانون والدستور على قياسه.

على كل حال، لا بدّ من أن يطلع كل اللبنانيين يوماً ما على الأسباب والمسببات الكامنة وراء تفجير 4 آب الهائل والمشؤوم الذي ألحق الخراب والدمار بعاصمة العواصم ست الدنيا بيروت والمناطق المحيطة بها، وعلى نتائج التحقيقات بذلك.

الملفت والغريب العجيب ان ما استجد على صعيد قرار القاضي صوان وردود الفعل عليه أيا تكن تلك الجهات السياسية والحزبية والروحية التي تحاول الوقوف بالمرصاد له، لكن يبدو ان هناك أكثر من قطبة مخفية وراء كل ما يحدث في هذا الإطار، لذلك لا بدّ من وضع النقاط على الحروف لكشف الالغاز والاسرار المرتبطة بتلك القطب المخفية على خلافها واختلافها.

من الملاحظ أن السجالات الجارية حالياً حول قرار القاضي صوان وتداعيات ذلك قد طغت على ما عداها من أولويات لدى اللبنانيين الذين كانوا حتى الأمس القريب ينشغلون بأمورهم الحياتية والمعيشية بشكل خاص، ولم يعد موضوع تشكيل الحكومة الجديدة يسترعي اهتمامهم، لأنه قد أصبح في خبر كان على ما يبدو حالياً، كما وان موضوع رفع الدعم عن المواد الأساسية من غذائية ودواء ومحروقات والذي كان شغلهم الشاغل قد بات بدوره متراجعاً عن سلم أولوياتهم، وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فيما موضوع الغلاء الفاحش والاحتكار وارتفاع الأسعار واخفاء المواد والبضائع من الأسواق قد تناساه البعض وأصبح على الهامش، كذلك ان الهاجس الأمني والتوترات وما يتردد من أحاديث عن اغتيالات - لا سمح الله - لم يعد من أولويات الناس، كما هو الحال بالنسبة لانتشار خطر كورونا في البلد أيضاً.

فهل يا ترى، أن «أوركسترا السياسيين» قد نجحت في إلهاء الناس عن قضاياهم المصيرية حتى بات شغلهم الشاغل متابعة السجالات بين السياسيين دون الأخذ بحجم معاناة البلد الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، فيما أنظارهم تتركز فقط بالوقت الراهن، على الأقل، على مواكبة قرارات قضائية خلقت جدلاً ما بعده جدل في البلد.

إذن، الكل ينتظر، والقرارات القضائية تحت المجهر، كما ردود الفعل عليها أيضاً تتابع من قبل اللبنانيين جميعاً بانتظار أن تسدل الستارة من جديد على فصل جديد من فصول تلك التطورات والأحداث في لبنان، وهذا ما اعتاد اللبنانيون عليه بين حين وآخر على أمل ان لا يكون ذلك بمثابة «فيلم أميركي طويل»، وفي حال استمر لبنان على هذا النحو من المهاترات والتشنجات لا يبقي الا أن نقول «العياذ بالله وعلى الدنيا السلام» وعندها لا بدّ أن نردد مجدداً: العدل يبقى وحده أساس الملك، ونعترف أمام الله الواحد نعترف ان السياسيين والمسؤولين في لبنان هم وحدهم قد نحروا هذا البلد بأيديهم دون رحمة أو خوف على المصير وعن سابق تصوّر وتصميم.