بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 حزيران 2023 12:00ص الفراغ الرئاسي رحم الله جان عبيد

حجم الخط
كان المغفور له جان عبيد مرشح «الغافوري»... لرئاسة الجمهورية. وكانت اللقمة تصل إلى فمه أكثر من مرة ثم تخطف لتصل إلى فم غيره.
كان جان عبيد عابراً للطوائف, ماروني في الصميم, وعروبي في المعتقد عميق الجذور، وكان لبنانياً أصيلاً، فهم التركيبة وعرف الجغرافيا, وتفهّم الديموغرافيا.
كان ذي ثقافة واسعة, وكفاءة نادرة في الإقناع، وكان دبلوماسياً بارعاً, قبل أن يترأس الدبلوماسية اللبنانية كوزير للخارجية بسنوات. اعتمده, واعتمد عليه, أكثر من رئيس الجمهورية، مندوباً محاوراً مع الغريب والقريب، فنجح في الكثير من مهماته, وردّ عن بلده, ووطنه الكثير من الويلات.
ترأس وزارة التربية بالتسعينات فنجح, وبعدها وزارة الخارجية في ظروف دقيقة فلمع.
كان يحفظ آيات من القرآن الكريم عن ظهر قلب، ويستشهد بآياته في خطاباته في مجلس النواب, فينظر النواب المسلمون إلى بعضهم وإليه بدهشة, وتعجّب, ومنهم من هو معتمر العمامة، فقابلهم بابتسامته المحببة البعيدة, عن أي فخر أو ادّعاء.
كان إيمانه بالسيدة العذراء ومكرماتها وعجائبها, راسخاً. وكثيراً ما دعاني عندما كنت في العاصمة الفرنسية إلى مرافقته إلى كنيسة السيدة, وإشعال شمعة.
لا تتسع صفحات لتعداد صفات هذا الرجل الكبير، ومنها تواضعه ودماثته, وروحه المرحة, التي كانت دوماً مفتاحه إلى القلوب.
بعد إغتيال الرئيس رينيه معوض, اقترب جان عبيد من كرسي الرئاسة بثقة إجماع، إلّا ان ساعات كانت قد سبقت, وكانت قد تمّت الموافقة على الرئيس الهراوي.
ولذلك قصة لا يتسع المجال لذكرها، وإختصارها ان الرئيس حافظ الأسد الذي أحب جان عبيد, قال لرفيق الحريري الذي حمل هذا الاقتراح: «ليتك وصلت بالأمس.. لقد أعطينا كلمتنا, أتيت متأخّراً».
هكذا شاءت الأقدار، أن يغتال رينيه معوض، ويموت جان عبيد ويموت قبله نسيب لحود وقبله ريمون إده.
ونقف الآن في هذه الظروف العصيبة, أمام فراغ مذهل, أمام مرشحين ومع كل الاحترام لشخصيهما ومن معهما, وعلى الأرجح لن يصل أي منهما, فكلاهما مرشحاً لطريق معاكس, كلاهما على ضفة بينهما نهر هادر.
ولم يكن ترشيح جان عبيد تحدٍّ لأحد سوى للفراغ والانهيار والفتنة.
«ذلك من قحط الرجال...» قالها يوماً في أوائل القرن الماضي الفريق ياسين الهاشمي الذي كان جنرالا في الثلاثينيات من عمره, عندما سأله أحدهم عن عمره ورتبته. هل هنالك قحط في الرجال لدى الطائفة المارونية الكريمة؟ سؤال لغبطة البطريرك الذي يطوف العالم.
خلاصةً، وباستعراض تاريخ هذا البلد، لا يأتي رئيس إلّا بإختيار وتوافق, إقليمي ودولي. فهل يهبط علينا بالمظلة «بل باراشوت» رئيساً يوافق عليه العالم؟ ومن خارج المنظومة ولم يرتبط يوماً بها. هل يكون العماد جوزيف عون رئيس التوافق الداخلي والدولي والإقليمي. أتمنى ذلك. أم ان العالم اليوم مشغول بأمور أخرى، وغير مستعد حتى لإعطاء الضوء الأخضر والتوافق الداخلي معدوم ومفقود ولم يكن أصلاً فاعلاً إِلَّا بوصاية.. فهل علينا أن ننتظر؟
أعود وأقول رحم الله جان عبيد والرحمة على من سبقه ومن ذكرت، وقبلهم، نأمل رحمة الله الواسعة على هذا الوطن.