بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الثاني 2019 12:06ص الفرصة الأخيرة

حجم الخط
ما أشبه اليوم بالبارحة، فمنذ الخمسينيات والستينيات، كان للحركة الطالبية في لبنان تأثير فاعل في الحياة السياسية وكانت تسقط حكومات وتؤلف حكومات تكون من صلب النّاس، تعبر عن هواجسهم وتنكب على تحقيقها استجابة منها لمطالبهم المحقة، إلى ان جاءت هذه المنظومة بعد الحرب الأهلية التي لم تنتهِ إلا بعد اتفاق الطائف الذي أصبح بعد ثلاثين سنة على اقراره في خبر كان، وتمكنت باسم الطائفية والمذهبية، وحتى المناطقية من وضع اليد على الحركة الطالبية، كما على الحركة النقابية وتدجينهما بل جعلهما ملحقتين بهذه المنظومة، خاضعتين لإرادتها ولإملاءاتها التي لا تخدم الا مصالحها، والا تكريس وجودها على رأس السلطة، تحكم وتتحكم بالعباد إلى أن أوصلوهم إلى ما وصولوا اليه هذه الأيام، من فقر وجوع وحرمان حتى من لقمة عيش الفقير، بلا خشية من أية ردود فعل وعلى مستويات محدودة كإضراب من هنا، أو صرخة وجع من هناك.

لقد اطمأنت هذه المنظومة إلى غياب الحركات الشعبية والعمالية والطالبية عن الساحات، فتمادت في غيها وفي استشراسها وفي فسادها مطمئنة إلى خضوع شعبها، وإلى استسلامه لإرادتها تحت العناوين الطائفية والمذهبية والمناطقية التي مرّ ذكرها إلى أن طفح كيل هذا الشعب، وبعماله وفلاحيه، وأعلن الانتفاضة، بل الثورة على جلاديه وسارقي لقمة عيشه وكان في مقدمة هؤلاء الطلاب الذين نزلوا الى الساحات بعدما نزعوا لباس الطائفية والمذهبية والمناطقية الذي جعلهم يستكينون طوال الثلاثين عاماً الماضية، ويسلمون أمرهم إلى تلك المنظومة الفاسدة التي عاثت الفساد في كل ركن من أركان الدولة ودوائرها.

لقد أبلت الحركة الطلابية بلاءً حسناً، بل استعادت دورها الحقيقي والطبيعي في أن تتصدر الحركة الشعبية المطالبة بالتخلص من هذه السلطة الفاسدة والمفسدة، وقد أثبتت حتى الآن أنها على مستوى المسؤولية الوطنية، وأنها تجاوزت عقد الخوف من تلك الطبقة التي دجنتها باسم الطائفية والمذهبية والمناطقية وافقدتها سلطتها في المراقبة والمحاسبة والمساءلة، كما الحال في الشعوب المتحضرة. وبات المطلوب من الحركة الطالبية اليوم قبل الغد، والغد قبل بعده، أن لا تترك الساحات التي تملأها الآن تحت أي سبب كان، لأنها هي المستقبل وعلى صمودها يتوقف مصير هذا الوطن ومصير شاباته وشبابه، غير آسفين على تلك السلطة التي تعيث في أرض الوطن الفساد والافساد والحذار ثم الحذار من السماع إلى التحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي أو الاستغلال الذي كبَّل الحركة طوال هذه السنين إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم من فقر وبؤس وضياع، فلا تفوتوا يا طلاب لبنان ومستقبله هذه الفرصة المؤاتية التي قد لا تكرر مرّة أخرى.