بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 شباط 2020 12:17ص الفساد والهدر وصراع المحاور

حجم الخط
لقد تمكن الفساد والهدر المتحكمان بالجمهورية الثانية في لبنان وبطبقتها السياسية الحاكمة من شن حرب ضروس على المواطن اللبناني وأفلحا في وضعه تحت نير ووطأة الفقر المدقع والعوز الشديد والجوع الكافر بعدما ابتهج المواطن والتقط أنفاسه وتنفس الصعداء عقب زوال كابوس الحرب الأهلية في تشرين الأول 1990 وتوحد الجيش اللبناني على أساس العداء لاسرائيل فقط، ظناً منه أن زمن البحبوحة والراحة والطمأنينة قد بزغ فجره ولن يأفل نجمه، فضلاً عن أن المادة 95 من الدستور والناصة على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية خشبة خلاص لبنان وعصب الدستور ورأس حربته وشريانه الحيوي وعموده الفقري قد ضربت من بيت أبيها نتيجة استمرار حبر كلماتها الرائعة أسير أسطر من الدستور قابع في صفحة من صفحاته، وكل ذلك لأن الادمان على كتابة الشعارات الطائفية والترويج لها مازالا مستمرين في تمديد مدة محكوميتها في ظل استمرار انتصار ثقافة وقف التنفيذ عوضاً عن اقرارها وادخالها حيز التنفيذ، ومنكبين على اطلاق نيران أسلحة دمارهما الشامل الفئوية والمذهبية على نفوس باتت تقبع في وطن أضحى حجراً صحيا تحيط به أحزمة من البؤس والتعاسة والقنوط وبات تصنيفه منطقة منكوبة بامتياز. 

وعندما تصاب مناعة الوطن المكتسبة بالضعف والوهن والنهك تفتك بانسانه واداراته مختلف أنواع الأمراض الجسدية المزمنة وخصوصاً الخبيثة منها، وتبقى الطائفية الورم النفسي الخبيث الذي فتك بالنفوس الضالة وجعلها أفيون الشعب اللبناني في ظل غياب الدواء الناجع للبراء منها، ألا وهو النهل من ينابيع الثقافة لأن الثقافة أمها الجرأة وأختها المعرفة وقديماً قال الفيلسوف العظيم شيشرون إن أمراض النفس أشد فتكاً وايلاماً من أمراض الجسد. 

وبالعودة إلى الوضعين الاقتصادي والمعيشي في لبنان أشير إلى أنه بتاريخ 14 كانون الثاني 2019 أي قبل تاريخ بدء الحراك اللبناني بتسعة أشهر قال المحلل الروسي الشهير الكسندر نازاروف لموقع RT الروسي أن لبنان يقف اليوم على أعتاب أزمة مالية طاحنة، فهل يمد الغرب لبيروت يد العون أم يدفع لبنان نحو الهاوية ؟ ويضيف نازاروف محذراً بأن الخطورة الأساسية في لبنان تتلخص في أن سعر الليرة اللبنانية مرتبط بسعر الدولار الأميركي وبقيمة أعلى من قيمتها الفعلية بكثير وهو ما يوفر مستوى حياة أكثر رفاهية، ويكمل نازاروف قائلاً صحيح أن الليرة القوية تحفز الاستيراد ولكنها في المقابل تؤدي إلى عجز كبير في ميزان التجارة وقد وصل العجز في هذا الميزان إلى حوالي 1.5 مليار دولار في تشرين الأول 2018، أما في ميزان المدفوعات فقد بلغ العجز مليار دولار في تشرين الثاني 2018 ما يعني حسب نازاروف بأنه سيتوجب على لبنان أن يجد مليار دولار اضافي كل شهر علاوة على ما يستحوذ عليه من صادراته وجميع موارده الاخرى حتى يتمكن من تسديد ثمن ما يستورده وهذا سيؤدي في ظل غياب أي معالجة جذرية للأمر إلى انهيار العملة المحلية بشكل حاد ما سيتسبب في عجز الحكومة عن سداد الديون أو اعادة جدولتها وانخفاض الاستيراد ومستوى المعيشة على نحو سريع. 

ويختم نازاروف قائلاً: وبما أن البنوك تمتلك جزءاً كبيراً من الدين الحكومي فإن عجز الحكومة عن السداد قد يدفع بكثير من تلك البنوك إلى الافلاس وسيؤدي ذلك إلى تجميد أرصدتها والتوقف عن منح الإئتمانات وربما حتى التوقف عن التعاملات البنكية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار كامل النظام الاقتصادي في البلاد، لذا فإن أي شروط لواشنطن والغرب لمساعدة لبنان واقالة عثرته تقضي بتعويم الليرة اللبنانية، لكن ذلك لن يتم إلا إذا نزع حزب الله سلاحه وهذا ما تريده واشنطن، انتهى كلام نازاروف. من هنا وبناءً على تحليله فإن فساد الطبقة السياسية الحاكمة هو الذي فتح كوة في الجدار اللبناني لتلج عبرها الرغبة الأميركية الربوع اللبنانية لتشن حربها الاقتصادية على لبنان بشتى أنواع أسلحة العقوبات والحصار. 

وبما أن الحرب بين القطبين الجبارين تتجلى بتصدي موسكو للتوق الأميركي في السيطرة السياسية والاقتصادية على لبنان والعراق بدعم حلفائها في البلدين، فإن عواقب قتال اثنين جبارين خصوصاً في لبنان ستكون عواقبه وخيمة على المواطن اللبناني الذي افترسته البطالة وفدحه العوز والضيق الشديدين في ظل معطيات تشير إلى أن أمد المواجهة والصراع مرشح لأن يطول لفترة ليست بالوجيزة وفي ظل معطيات تشير أيضاً إلى عدم تغيير قواعد الاشتباك الضاري.

كثيرون يسألون أو يتساءلون هل تسعى واشنطن فعلاً إلى السيطرة الأحادية القطب على قرارات وموارد ومقدرات دول المستديرة جمعاء أم أن تلك الفكرة المتداولة ليست سوى مجرد شائعة أم دعابة أم حماقة أم غباء ؟ 

إن كل الأجوبة المنطقية تقول بالطبع هذا ما تريده واشنطن فيجب أن لا نتناسى بأن الرئيس الاميركي الأسبق ويلسون كان قد قالها عالية مدوية، إن القيادة المعنوية للعالم قد أعطاها الله لأميركا فقط، فضلاً عن أن فكرة أميركا بحد ذاتها هي الترجمة الانكليزية لفكرة اسرائيل الأسطورية، كما تبناها الغزاة الانكليز الأوائل الطهريين the puritans، وهذه الفكرة ترتكز على ثلاثة عناصر، وهي احتلال أرض الغير واستبدال سكانها بسكان غرباء واستبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم وكل ذلك وفق عقيدة الاختيار الالهي والتفوق العرقي وقدرة التوسع اللانهائي وحق التضحية بالآخر. 

و بالمناسبة فإن الصراع الأميركي مع بعض الأقطار العربية ليس وليد أيامنا تلك بل يعود إلى خمسينيات القرن المنصرم إذ تشير صحيفة البوصلة الألكترونية نقلا عن أكاديمي ألماني بتاريخ 28 كانون الثاني 2016 بأن زعزعة استقرار سوريا ناجم عن مخطط أميركي قديم كان قد أعد ضد دمشق حتى قبل نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي، وأن واشنطن هي من أعدت لحدوث الانقلابات العسكرية الثلاثة التي وقعت في سوريا. ففي العام 1949 طالبت واشنطن دمشق بمنحها حق مد أنابيب التابلاين النفطية ويذكّر الأكاديمي الألماني بالصراع على سوريا منذ أواسط خمسينيات القرن العشرين بين أنظمة المنطقة المدعومة من الغرب أي الأردن، تركيا، العراق، ومصر جمال عبد الناصر والذي أدى إلى قرار موسكو بتقديم مساعدة كبيرة للجيش العربي السوري لانجاح مهمة بناء الجمهورية العربية المتحدة عام  1958. 

ولأن الرئيس عبد الناصر نادى بالوحدة العربية والسياسية والعسكرية والاقتصادية ضد  المصالح الاميركية، حرضت عليه واشنطن حليفتها آنذاك إيران الشاه محمد رضا بهلوي، لأن اسرائيل وايران كانتا قلقتين من المد الناصري في العالم العربي، إقرأ كتاب مدافع آية الله للكاتب محمد حسنين هيكل. 

في الماضي القريب شكل النفط مادة صراع واليوم يستعر الصراع بين واشنطن وموسكو على النفط والغاز وسلاح حزب الله في لبنان وأذكر أنه بتاريخ 21/11/2019 قالت شبكة سبوتنيك الروسية بأن غاز وسلاح حزب الله هما من أهداف واشنطن الأساسية في لبنان علماً أن وزير الطاقة الاميركي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون وهو بيل ريتشاردسون كان قد قال في العام 1999 بأن النفط في الشرق الاوسط سيبقى يشكل محور القرارات الامنية والسياسية الخارجية لواشنطن حتى بعد القرن العشرين، لأنه كان سلاحاً فعالاً في تقسيم دول الشرق الاوسط إلى دويلات عقب الحرب العالمية الاولى. 

أما موقع كاتيهون فقد أشار بتاريخ 7/1/2020 إلى الدور الاميركي في الاحتجاجات اللبنانية، إذ يذكر بأن السفير الاميركي الأسبق جيفري فيلتمان قال في شهادته أمام الكونغرس بأن الاحتجاجات اللبنانية تتقاطع مع المصالح الأميركية لذا يجب أن تحقق أهدافها لأن ايران  تهدد المصالح الاميركية في المنطقة وخارجها، وتهدد لبنان على وجه الخصوص لأنه يعتبر قاعدة أمامية خطيرة لطهران. 

وإذاء هذا الواقع المأساوي المرير لا أعتقد بأن المواطن اللبناني مازال يؤمن حيال ما يراه أمامه بأنه إذا التقط كمشة من تراب وطنه سيتحول التراب إلى سبيكة من ذهب.