بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2019 12:05ص القانون وممارسات التعذيب: من حق المُعذَّب الإدعاء لدى النيابة العامة

حجم الخط
دور القانون حماية حقوق الإنسان فتنتفي الحاجة إلى التمرد على الاستبداد والظلم والتعسُّف، وقد وُضعت مروحة من الاطُر القانونيّة لحماية الناس من شطحات وتجاوزات ربما تُرتكب خلال تطبيق القانون، أبرزها ما يتعلّق بأفعال «التعذيب» التي يُمارسها بعض الموظّفين الرسميين مع الموقوفين والمشتبه فيهم والمتهمين بارتكاب اعمال مخالفة للقانون.

نُذكّر بدايةً بأن الجمهورية اللبنانية تعهّدت عام ٢٠٠٠ باحترام اتفاقيّة مكافحة التعذيب الدوليّة التي تشمل التعذيب الجسدي والنفسي وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتابعت خطوتها بإقرار القانون رقم ٦٥ لعام ٢٠١٧ الذي عُدّلت بموجبه المادة ٤٠١ من قانون العقوبات في هذا الاتجاه. 

تعريف «التعذيب» 

عرّف القانون رقم ٦٥ «التعذيب» بأنّه أي عمل يقوم به أو يحرض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية أثناء الاستقصاء والتحقيق الأولي والتحقيق القضائي والمحاكمات وتنفيذ العقوبات، ينتج عنه ألم شديد أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق قصداً بشخص ما للحصول منه أو من شخص ثالث على معلومات او على اعتراف، أو معاقبة اي شخص على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه هو او شخص ثالث، أو لتخويف اي شخص او ارغامه هو او اي شخص ثالث على القيام او الامتناع عن القيام بعمل ما، أو لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه. 

وعليه لا تعتبر الأوامر بالتعذيب الصادرة عن موظّف رسمي، من أية رتبة او سلك او سلطة كان، أوامر شرعية في أية حالة من الأحوال.

تجريم التعذيب

لكل من تعرّض للتعذيب من قِبَل موظّف رسمي ان يرفع بواسطة وكيله القانوني شكوى أو إخبار الى النيابة العامة يضم تقريراً للطبيب الشرعي المعاين. ويبدأ سريان مرور الزمن على جرائم التعذيب بعد خروج الضحية من السجن او الاعتقال او التوقيف المؤقت إذا لم يتبعه سجنه. وفي حال التثبُّت من حصول التعذيب، يتم إبطال جميع الاقوال التي ادلى بها الموقوف الذي تعرّض للتعذيب أثناء الاستقصاء والتحقيق.

امّا الموظّف الرسمي مرتكب التعذيب فلا يجوز له أن يدلي بأية ذريعة لتبرير فعله كحالة الضرورة او مقتضيات الأمن الوطني او أوامر السلطة الأعلى أو أية ذريعة أخرى، ولا تخضع ملاحقة الموظفين بجريمة التعذيب لشرط الإذن المسبق.

ويُعاقب كل موظّف رسمي يقدم على التعذيب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات إذا لم يفض التعذيب الى الموت او الى خلل او عطل جسدي او عقلي دائم او مؤقت؛ ومن ثلاث سنوات الى سبع سنوات إذا افضى التعذيب الى خلل او ايذاء او عطل جسدي او عقلي مؤقت؛ ومن خمس سنوات الى عشر سنوات إذا افضى التعذيب الى خلل او عطل جسدي او عقلي دائم؛ ومن عشر سنوات الى عشرين سنة في حال ادّى التعذيب الى الموت.

القضاء ومكافحة ممارسات التعذيب

عند ورود شكوى أو إخبار الى النيابة العامة في قضيّة تعذيب، يتولّى القضاء العدلي العادي مهمّة الملاحقة والتحقيق والمحاكمة، دون سواه من المحاكم الجزائية الاستثنائية. وتتولّى النيابات العامة وقضاة التحقيق، الناظرين في الإخبارات والشكاوى المتعلقة بالتعذيب، جميع إجراءات الاستماع والتحقيق دون استنابة الضابطة العدلية او اي جهاز أمني آخر للقيام بأي اجراء باستثناء المهمات الفنية.

لكن لا يجب أن يقتصر دور القضاء على معالجة قضايا التعذيب بعد حصولها، بل يجب ان يكون لاعباً اساسيّاً في مكافحة ممارسات التعذيب وضروب المعاملة وما سواها قبل وقوعها. ويكون ذلك من خلال تثبيت استقلالية القضاء الكاملة والتشدد في مراقبة عمل النيابات العامة المشرفة على التحقيق والمحاكم من قبل أجهزة التفتيش القضائي، قبل البدء بإصلاح الاجهزة الأمنية والعسكرية، ذلك أنّ مسؤولية ما يجري اثناء التحقيق تعود الى السلطة القضائية المشرفة عليه لا الى مدير المؤسسة الأمنية التي يتبع لها المحققون او الموظّفون الرسميّون. 

من الناحية التطبيقيّة يكون على القاضي ان يشرف عملياً وفعلياً وشخصياً على إجراءات التحقيق كافّة من خلال توجيه الضابطة العدلية والتدقيق في خطوات يقوم بها الموظّفين الرسميين، وزيارة الأمكنة التي يحتجز فيها الموقوفون للتأكد من ان أوضاعها قانونية وتتناسب مع الشروط بحسب اتفاقية مكافحة التعذيب الدوليّة وبحسب المعايير الدولية والقوانين المرعيّة.