بيروت - لبنان

13 أيلول 2023 08:47ص دروس جزائرية في الكرامة الوطنية

حجم الخط
في تطور هام ومثير للجدل، أعادت سويسرا تحريك ملف وزير الدفاع الجزائري الاسبق خالد نزار، ما ينذر بأزمة دبلوماسية حادة بين سويسرا و الجزائر، حيث سارعت السلطة الجزائرية الى التهديد علناً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سويسرا التي تحاول ابتزازها بإعادة فتح هذا الملف لأهداف سياسية قد تكون متعلقة بتنسيق سويسري فرنسي ضد الحكومة الجزائرية ولحسابات تتعلق بالاداء السيادي للرئيس عبد المجيد تبون على الساحة الدولية، حيث يوازن في زياراته الخارجية بما فيه مصلحة الجزائر دون ارضاء لاي محور دولي.
 وهو ما استفز الاوروبيين عامة والفرنسيين خاصة حيث زار تبون موسكو  وبكين وعقد في البلدين اتفاقيات كبيرة جدا على كافة صعد التعاون وفي المجالات الاقتصادية كافة دون أن يقطع شرايين العلاقة الايجابية مع واشنطن ومع شركاء المصالح في اوروبا. 
فالقضاء السويسري وجّه قبل ايام لائحة اتّهام إلى وزير الدفاع الجزائري الأسبق تشمل تهماً بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية بشبهة موافقته على عمليات تعذيب تقول سويسرا انها حصلت  خلال  ما يسميه الجزائريون بالعشرية السوداء في التسعينيات من القرن الماضي.
وللمرء ان يتسائل لماذا الآن؟ 
وهل الامر رد فرنسي سويسري على الزيارة الناجحة لتبون الى بكين وموسكو؟؟
القضية كانت قد إنطلقت عام 2011، بناء على شكوى من شخصين ينتميان إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، يعيشان بسويسرا، زعما أنهما تعرضا لتعذيب في الجزائر، مطلع تسعينات القرن الماضي، بناء على أوامر من نزار.
التحقيق في القضية اتخذ من بدايته طابعاً سياسياً، فقد ادعى أصحاب الشكوى التزامهم بالتيار التكفيري الذي تعتبره اوروبا ارهاباً في ذلك الوقت كما الآن، و الجنرال نزار يجسد رفض المشروع السياسي الإسلامي المتطرف، بحسب ما اكد محامو نزار في بيانهم.
موقف الجزائر الرافض للتدخل السويسري، ابلغه وزير الخارجية الجزائرية، أحمد عطاف، الى نظيره السويسري إناسيو كاسيس، خلال مكالمة هاتفية، معتبراً أن بلاده تعد اتهام نزار أمراً غير مقبول، وأن القضية بلغت حدوداً لا يمكن التسامح معها، والحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية – السويسرية، كما هدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بقطع العلاقات.
متابعون لهذه القضية ربطوا اعادة تحريك ملف نزار بقضية بملف آخر حاولت سويسرا وفرنسا اللعب على وتر حقوق الانسان في تناوله، حيث قامت جهات "مدنية" مرتبطة بمنظمات تابعة لجورج سوروس بمساعي مع حكومة سويسرا لاستغلال قضية  عائلة كونيناف في الجزائر التي ينتمي اغلبهم الى سويسرا بالولادة رغم كونهم جزائريين، وبالتالي كان يفترض ان تقوم سويسرا باستغلال قضية اطفال سويسريين سجن ابوهم في الجزائر منذ العام 2019 بتهمة استفادته من نظام بورقيبة فيما يعرف بقضية "السبعين المسجونين" في قضايا الكسب غير المشروع بالاشتراك مع السعيد بورقيبة شقيق الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وفي التفاصيل يقول صحفي فرنسي بأنه شخصياً تابع ملف هذه العائلة حين كان يعمل في الجزائر، واكتشف ان الامر بالفعل له علاقة بالفساد وان الاشقاء كونيناف يحملون الجنسية السويسرية بالولادة لكنهم في الجزائر جزائريون وهم سجنوا في ملف يتعلق بفساد السعيد بورقيبة وبالكسب غير المشروع ولم يسجنوا لانهم سويسريون.
ولم ينكر الصحفي الفرنسي ان هناك استهداف للجزائر وان هناك من سعى لاستغلال وجود أمر منع سفر يطال زوجة واطفال احد المسجونين وهو طارق نوح كونيناف على لائحة الاهتمام الرسمي السويسري كونهم سويسريون. لكن السلطات في باريس لا في سويسرا كما جهات اميركية حاولت استغلال وجود ابناء طارق نوح كونيناف في الجزائر لشن حملة على الرئيس تبون بهدف الضغط عليه في ملف حقوق الانسان كون الاطفال سويسريين.

الملف هذا من أفشله؟ زوجة طارق نوح كونيناف، حيث هددت بمقاضاة كل من يستغل قضيتهم للنيل من حكومة الجزائر في الخارج بعدما تلقت عروضاً من ديبلوماسيين فرنسيين وسويسريين التقتهم في مناسبات اجتماعية في العاصمة الجزائرية وعرضوا عليها مساعدتهم للنيل اعلامياً من الجزائر من خلال شن حملة دولية تحمل عنوان ادانة الجزائر لاحتجازها اطفالاً هم مواطنون سويسريين.
يتابع الصحفي الفرنسي فيقول ان معلوماته تشير الى فيديو مسرب وصل للمنظمات الحقوقية الاوروبية يظهر أن ابنة طارق كونيناف كانت في رحلة مدرسية ومُنعت من المغادرة مع الطلاب الاخرين في صفها من المتوجهين الى اوروبا.
وكان يفترض ان يصبح هذا الفيديو عنوان الحملة اوروبياً على الرئيس الجزائري لكن زوجة طارق نوح كونينياف وابنته المراهقة رفضوا رفضاً باتاً استغلال قصتهم في ملف سياسي يستهدف بلدهم.
وكانت شقيقة المتهمين بالفساد طارق ورضى وكريم كونينياف سعاد نور  المحكومة مثلهم بالسجن لكن غيابياً والموجودة في سويسرا قد اصدرت تصريحاً صحافياً ترفض فيه اي مشاركة لأي جهة اجنبية في الدفاع عنها امام القضاء، معتبرة ان مشكلتها ومشكلة اخوتها السجناء هي مشكلة تخص العائلة والحكومة الجزائرية وهي لن تسمح باستغلال قضيتهم لصالح جهات اجنبية تريد الضغط على حكومة الجزائر.
قصة الاخوة كونيناف التي يرويها مراسل فرنسي يتابع اخبار دول شمال افريقيا، تشير الى انهم ربما كانوا فاسدين تربحوا من علاقتهم بالسعيد بوتفليقة خصوصا اكبرهم رضا، الذي يشار الى أنه المسؤول الاول عن ثروات العائلة التي فقدت كل املاكها بما فيها الاملاك الموروثة من والدهم المتوفي بعد مصادرتها من قبل حكومة الجزائر، الا انهم لم يتورطوا بحملات تستغل جنسيتهم السويسرية.

البلد الذي قدّم دروساً في النضال من أجل التحرر الوطني ورفض الاستعمار وحافظ على هويته العربّية، حتى عائلات المدانين فيه بالفساد لا يتعاملون مع الاجانب ضد بلادهم، وسلطات الجزائر لم تسمح لسويسرا بالتطاول على مسؤول سابق لا دفاعاً عن شخصه وانما لأنه جزائري فقط.