بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2017 12:00ص اللادولة

حجم الخط
ما قامت مؤسسة، أو دولة على التسويات إلا وكان مآلها إما السقوط، وقيام نظام ديكتاتوري على حسابها، وإما الانزلاق إلى حرب داخلية تأخذ أشكالاً عرقية وإتنية وطائفية مختلفة، والأمثلة على صحة هذه المقولة لا تحصى ولا تعد، وأقرب مثال ما يحصل حالياً في لبنان وما حصل فيه في السابق أي منذ أعلنت سلطة الانتداب في العام 1920 قيام دولة لبنان الكبير وحتى قبل ذلك في القرن الثامن عشر حيث شهد هذا البلد عدّة حروب طائفية، ولا سيما في العامين 1840 و1860، ومن المفيد التذكير ما حدث في القرن الماضي من خضات وهزات نذكر منها الثورة البيضاء في أوائل الخمسينيات والثورة الحمراء في أواخره والحرب الأهلية في العام 1975 والتي امتدت أكثر من خمسة عشرة عاماً، وكادت أن تقسم الوطن إلى عدّة أوطان تحت عناوين طائفية.
وما كان يخشاه اللبنانيون بعد أن وضعت تلك الحرب الطائفية أوزارها بعد اتفاق الطائف، وخروج لبنان منها منهكاً، محكوماً بالوصاية السورية في ظل انعدام أو انحسار الدولة الوحدة، هو أن تتجدد تلك الحرب المأساة في حال لم يتعظ السياسيون مما جرى ويتنازلون عن اماراتهم لمصلحة الدولة المركزية القوية ويرضون بنظام ديمقراطي علماني لا مكان فيه لا للطائفية التوافقية ولا لأي حكم يقوم على التوافق بينهم بحيث يمتلك كل فريق حق الفيتو مما يؤدي إلى تعطيل الدولة عن القيام بالحدود الدنيا لواجباتها في ضبط الأمن، وفي تكريس سيادة القانون، وتالياً في قيام الدولة المركزية القوية والعادلة وغير المرتهنة لمزاج هذا الفريق أو ذك ممن هم في سدة المسؤولية تحت عنوان عريض هو أن لبنان لا يمكن أن يعيش ويستمر إلا في ظل التوافق بين مكوناته.
وعلى الرغم من أن من هم في سدة الحكم يدركون هذه الحقيقة ويدعي كل منهم انه نصير لها بوصفها العامود الفقري للدولة الواحدة والقوية ولا خلاص للبنان الا باعتمادها نراهم الآن يقاتلون بعضهم البعض تحت عنوان التوافق، فالحكومة لم تشكّل الا بعد التوافق عليها، والحكم الذي جاء نتيجة تسوية توافقية لا يجرؤ على الخروج عنها ولا حتى التفكير بذلك وكل ممارساته بعد مرور قرابة السنة على توليه مقاليد الحكم تدل على انه أسير التسوية التوافقية، ولا يجرؤ حتى على التفكير بالمبادئ التي كان ينادي بها قبل توليه السلطة والتي تتركز على الدولة القوية التي ترعى مواطنيها بالتساوي، ومن دون أي تمييز بين اعتقاداتهم الدينية فضلاً عن تمسكه القوي بالسياسة التوافقية التي لم تنتج حتى الآن سوى هذا التخبط الذي يلمسه المواطن على كل الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كما يلمسه بشكل أكثر وضوحاً على صعيد الانقسامات الحكومية بين من هو مع التطبيع مع النظام السوري وبين من هو ضد التطبيع في وقت يشهد العالم على الإرباك الحكومي الحاصل حول سلسلة الرتب والرواتب، وعلى أشياء أخرى كثيرة، ستكشف عنها الأيام المقبلة، ومع كل هذا التخبط العشوائي، لا يزال هذا العهد يتمسك بالصيغة التوافقية التي يفرضها النظام الطائفي، ولا يجرؤ على ان يعلن أي موقف يستدل منه انه ضد هذا النظام الطائفي لأنه لا يستولد الا الخراب والبقاء في حالة اللادولة.