بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيلول 2020 12:02ص المبادرة الفرنسيّة في العناية الفائقة وحكومة أديب تفقد مناعتها

حجم الخط
راهن اللبنانيّون على المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون لإنقاذ بلدهم من الانهيار الاقتصادي والمالي والسياسي، الّا أنّ المبادرة عرقلتها استمرارية الطبقة السياسيّة الحاكمة بنهج المحاصصة، بذريعة حقوق الطوائف والميثاقية، فيما يحتضر لبنان وشعبه ببطء مؤلم. وقد تمّ تمديد المهلة الزمنية المحدّدة لتشكيل الحكومة العتيدة ريثما يؤمّن لها الدّعم المطلوب داخلياً ودولياً، وفق رؤية أنّ المَخرَج من الوضع المتأزم في لبنان يكون من خلال تشكيل حكومة مستقلّة من اختصاصيين تتبنى خريطة الطريق الإصلاحية التي توافَقَ عليها الرئيس الفرنسي مع القيادات اللبنانيّة. 

وقد تمّ تقويض المبادرة الفرنسيّة وتجميدها من خلال الالتفاف على الدستور والتمسُّك بالبدع في محاولة لخلق اعراف جديدة تخدم مصالح الطوائف، ما أعاد خطوة تشكيل الحكومة الى المربّع الأوّل، في حين يقف الرئيس المُكلّف وسط بيئة معقّدة وخطيرة هو ليس من نسيجها، وقد تبين له أكثر فأكثر أنّ غمار السياسة اللبنانيّة وتشابكاتها الاقليمية والدولية مزروعة بالألغام من كلّ حدب وصوب. ويؤخذ على الرّجل الدّمث الخلوق أنّه يتفادى المواجهات العبثية السياسية، وكونه تعجّل في التلويح بتقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة من باب انّه ليس في وارد جر البلد إلى اشتباك سياسي يدفع باتجاه تسعير الاحتقان الطائفي.

وفي المُقابل يُطالب البعض الرئيس المُكلّف بالتمسّك بصلاحياته كاملة لجهة تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن تحت سقف القواعد المنصوص عنها في الدستور، ويعنى ذلك أن يقدّم تشكيلته الحكوميّة التي ترقى الى تطلعات اللبنانيين بعد أن يُجري كلّ المشاورات التي يرتئيها، وللقوى السياسيّة ان تتعامل مع واقع هذه التشكيلة، لا سيّما «الثنائي الشيعي» المصرّ على موقفه. وفي حال استمرّت العرقلة فالرئيس المُكلّف مدعو الى خيار الاعتكاف، ولتحاول القوى السياسيّة المُعترضة إسقاط التكليف.

بنتيجة الأمر، يبقى مستقبل لبنان عالقاً في حقيقة «ميثاقيّة» حقيبة الماليّة لبلد مُفلس، في ظلّ ميثاقيّة سياسيّة أفلست البلد ولا تحمي أموال المودعين المهدّدة بالضياع، ولم تصُن العاصمة من انفجار المرفأ ونتائجه، وسرَّعت هجرة الشباب اللبناني. وحتّى إذا نجحت المشاورات في إطلاق سراح التشكيلة الحكوميّة الرهينة، فإن الوقائع الميدانيّة وتطلّعات «الثنائي الشيعي» لفرض سيطرة واسعة على النشاط التشريعي والقرار التنفيذي والحياة السياسية في لبنان تشي بمعركة حامية بينه وأخصامه، في محاولة منه لإعادة صياغة النظام السياسي بما يوازي حجم فائض قوة «محور الممانعة» الصاعدة محلياً وإقليمياً. 

لقد راهن اللبنانيّون على مبادرة تنتشل لبنان من مأزقه، الّا أنّهم وبسبب ما شهدوه من هرطقات ومناكفات، ما عادوا يصدّقون وعود وتعهدات القوى السياسية البائدة وتجاربهم معها منذ ثلاثين سنة، وأصبحوا يشعرون أنّ المبادرة الفرنسيّة بدأت تفقد بريقها وفرصها وأنّ الحكومة المنتظرة ستولد فاقدة للمناعة المطلوبة وأنّها لن تتمكّن من تحقيق الاختراق المنشود.