بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 أيلول 2019 12:01ص المرأة... في انتخابات مجالسنا ومحاكمنا ومؤسّساتنا..؟!

حجم الخط
التقيت بها في بهو أحد الفنادق الباريسية تحدثنا مطوّلا عن التعليم في لبنان ومشاكله، فأدهشتني بعمق فكرها وتحليلاتها بل وإيجاد الحلول لها بل وأذهلتني قوة شخصيتها وسرعة بديهتها وجرأتها على خوض الصعاب والمخاطر، فليست هي في نزهة سياحية ولا رحلة استجمامية ولكنها لعقد اتفاقيات أكاديمية بين جامعتها التي ترأسها في لبنان وجامعات فرنسية.

لو قارنتها مع رؤساء جامعات أُخر من الذين أعرفهم لقلت بأنها تستدرجك الى ما تريد معرفته منك وتسهل معرفتك لها بكل ثقة وإنصات وإصغاء وتواضع وتقدير واحترام. في مؤسسات تعليمية أخرى تتبع طوائفها لم تمنح المرأة المتعلّمة مثل هذه الثقة التي حصلت عليها، فمرجع الطائفة يبقى في الأغلب الأعمّ متصدّراً السلّم الهرمي في التسلسل الإداري للجامعة...انها الدكتورة دينا المولوي رئيسة الجامعة الإسلامية في لبنان.

هذا اللقاء الذي جمعني بها أثار في نفسي الفضول للسؤال عن التقصير في إعطاء دور للمرأة في مؤسساتنا الدينية. تاريخنا الإسلامي زاخر بكثير من الإستشهادات كانت فيه المرأة سبّاقة إلى نشر العلم وتولّي المسؤوليات السياسية والإدارية والعسكرية وأمور الحسبة في الأسواق، حتى أن شرط الذكورة غير منصوص عليه في كثير من المناصب بل وأخطرها كمنصب الإفتاء مثلاً. أقول ذلك متأسّفاً لعدم تشجيع المسؤولين الدينيين الى إعطاء هذا الدور للمرأة في انتخابات مجالسنا ومحاكمنا الشرعية ومؤسساتنا المعنية في أمور الإفتاء والأوقاف.

هذا الدور قد يفتح لنا أملاً في تطوّر وتجديد مؤسساتنا الدينية المتهالكة والغارقة في الروتين البروتوكولي والإداري. أثبتت المرأة في هذا القرن والقرن الماضي بأنها تفوّقت على الرجال في ميادين كثيرة كانت حكراً على الرجال فيما مضى. حتى لا نكاد ننظر الى لوائح التقديرات العلمية إلا ونجد المرأة في طليعة الحاصلات على التنويه والتقدير في معظم المجالات والتخصصات العلمية والأدبية.

من لطائف الآيات القرآنية حين خصّ الرجل بأنه لم يجعل في جوفه قلبين لم يذكر المرأة، فكانت هذه الخصوصية لا تتناول المرأة حيث يحتمل أن يكون في جوفها أكثر من قلب حين الحمل بطفل أو أكثر. هذه اللطيفة القرآنية تأخذنا الى مجال آخر لتلفت انتباهنا الى أن المرأة وليس الرجل تستطيع أن تتحمّل أكثر من مسؤولية في نفس الوقت، وهذا من إبداع الله تعالى إذ جعلها تهتم برضيعها وبإطعام أطفالها وهي تعمل بنفس الوقت بأكثر من عمل وجهد.

في عملي القضائي خضت تجربة سمحت فيها لطلبتي في السنة النهائية بكلية الحقوق لحضور جلسات المحاكمة، وقد أدهشني حقاً ما توصلت إليه من نتائج، ففي حين توصلت الطالبات لذكر كل دقائق الوصف المشهدي للجلسات وهو ما فشل فيه الطلاب الذكور الذين تفوّقوا في الوصف الدقيق للمواضيع المطروحة، استنتجت من خلال هذا المزيج بين رؤيا المرأة والرجل الى إمكانية الإحاطة بالحدث بأكمله من خلال ترابط وتكامل النظرة الذكورية والأنثوية.

من أجل ذلك تكوّنت لديّ قناعة بأن المؤسسات والمجالس والمداولات والمحاورات التي تتكامل فيها الحقيقة والمعرفة هي التي تشارك فيها المرأة الرجل في النظرة والتحليل واستشفاف الحلول الآنية والمستقبلية.