بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2020 06:21ص المشكلة في ثعالبة السياسة في لبنان!

أبعد من التشريع ومتاهة القوانين

حجم الخط
الأخطر ما في المشهد اللبناني العام، ظواهر، ليست لا سوية، كما يقال، أو مرضية، بل غريبة، عجيبة: الطبقة السياسية، المسؤولة، لا على سبيل الإفتراض، بل بالوقائع الميدانية، وبالنتائج الكارثية عن انهيار البلد، نقده، الى حدّ ما نظامه المصرفي، فرص العمل فيه، والذين أوصلوه على مستوى التضخم الى أسفل الأسفلين، بتضخم قياسي، ونوعي، غير مسبوق، جعله يقفز بعشرات النقط، فوق التضخم في زيمبابوي «الإفريقية» الىآخر الموبقات التي بات الصغير والكبير في لبنان، والإقليم، وحتى على المستوى العالمي، يحفظها عن ظهر قلب، لدرجة أن بعض العقوبات (بصرف النظر عن أحقيتها أم لا)، فرضت على شخصيات لبنانية، ما تزال تتصدر المشهد، من باب الفساد، والتورط حتى أخمص القدمين فيه.. ومع ذلك، هي الطبقة نفسها، تتباهى، أو تتسابق إلى تقديم اقتراحات قوانين، لا تكتفي باللعنة على الفاسدين، أجمعين، بل تتشدَّد بالألفاظ، الى درجة التشدّق، حول التدقيق الجنائي، وشموله كل مؤسسات الدولة، وليس المصرف المركزي، والحديث عن انجازات وبطولات وكأن المشكلة حلَّت، ولا بأس من الاستثمار السياسي، في وقت يعيش فيه اللبنانيون أياماً عصيبة، من المخاوف المحدقة والجدية من نفاد دولارات مصرف لبنان «المليارية»، على وقع دعم الطحين، (الرغيف) والبنزين (السيارات والعربات والشاحنات والفانات والموتورسيكلات) والدواء (من البنادول الى الإسبرين إلى أي دواء علاجي، يستفيد منه الفقراء)، ووسط مخاوف جدّية من مغامرة الطبقة السياسية إلى الإنهيار.. (ويمضي دولار بيروت، بين سعر رسمي تفتح به البورصة كل صباح (1515) ودولار نقابة الصرافين الى حدود 3900 ليرة لبنانية، وصولاً الى دولار المنصة (الغامض) وصولاً الى السوق السوداء (وهو المعوّل عليه) والذي يمضي بين الـ8000 ليرة و9000 ليرة، بانخفاض او ارتفاع يومي، وفقاً لرغبات ومصالح، النافذين في اللعبة السوداء..

ولعلَّ المأساة الكبيرة، عندما تقرأ تصريحاً لأحدهم (سأتجنب الشخصنة ما أمكن) بعد آخر جلسة لمجلس النواب، على مسرح الأونيسكو: «القرار يُظهر إصرارنا على إنجاز التدقيق في كافة حسابات الدولة، وأصبح القرار نافذاً، ويجب تلبيته من أجل تحديد المسؤوليات، وهو ترتب منطق جديد للتعاون مع الدولة، ويجب ألا يكون هناك تغطية على أحد»..

ماذا يعني القرار في العُرف التشريعي؟ هل هو قانون؟ الجواب «لا»، هل هو توصية الجواب لا، والسؤال، ما هي القوة التنفيذية لمثل هذا القرار، ما هي كلفة تطبيقه، حتى لو جرى تجاوز الأصول، على مَن تقع المسؤولية؟

حيرتني المأساة: طبقة فاسدة، تحاضر بالدعوة الى محاربة الفساد.. وكأن هذه الطبقة الذهبية، والتي لا يجوز وصفها بغير «التنكية» (نسبة الى التنك) الذي اصابه الصدأ، لكنه ما يزال صامداً.. تتنطح لمعالجة الآفات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها سلوكياتها في السياسة، والوزارة، والإدارة، والحكم، والتصرف بحياة البلاد والعباد..

فجأة، قادتني الحيرة الى شوقي (أمير الشعراء أحمد شوقي)، فراجعت الثعلب والديك، واخترت هذه الأبيات، لكشف التمادي الخطير، لهؤلاء الذين ساقتهم الأقدار للتحكم «ببلد الأرز» الجميل، علَّ وعسى أن يأتي يوم، ويتشكل رأي عام واحد، ذي فعالية، ويكتسح هؤلاء من حيث هم: 

برز الثعلب يوماً

في شعار الواعظينا

فمشى في الأرض يهذي

ويسب الماكرينا

وازهدوا في الطير

إن العيش عيش الزاهدينا

واطلبوا الديك يؤذن

لصلاة الصبح فينا

فأجاب الدين: عذراً

يا أضل المهتدينا!

بلّغ الثعلب عني

عن جدودي الصالحينا

أنهم قالوا وخير القول

قول العارفينا

مخطئ من ظن يوماً

أن للثعلب دينا

بوقاحة ما بعدها وقاحة، يتصدر ثعالبة السياسة اللبنانية، شاشات التلفزة، ومواقع التواصل، للمحاضرة في العفة.. حتى  يخال الساذج، أو البريء، أن هؤلاء القوم، جاؤوا في ساعة مطلوبة، ليكون الخلاص على أيديهم، فيعرف اللبنانيون من سرق أموالهم، ومن احتجز ودائعهم، ومن جعل أيامهم سوداء، عجفاء، نكداء، يعتورها القلق على اليوم، والغد، والتأسف على ما فات، ومضى، وسط دوران كارثي، لبلد ترك لمصيره... فاذا برجال السوء، هم السادة، الذين يقدمون أنفسهم كمنقذين، ليعبثوا مجدداً بالتشريعات الناجعة، وليمضموا الى الدوس على «حقائق الفساد»، وعلى حقائق المشكلات، ومسببيها، ومفتعليها..

في المشهد هذا، يصير من الخطل الهائل، الركون، الى «العصابة الفاسدة» القابضة على السلطة، والأمر، يقتضي، قبل أي اعتبار، أن تخرج المساءلة عن إطار المواربة، والتدليس، ولتحدّد المسؤوليات على نحو واضح.. لتتوقف اللعبة، مع تزاحم المخاطر، للإطاحة، بكل ما هو قائم، او ما تبقى من مقومات حياة لدى المواطن، الذي يتحسّر على أيامه، وتغمر حالياته والآتي من أيامه وأشهره مشاعر تنغص لديه كل شيء.

يمضي «العابثون» على مسرح السياسة في لبنان، بالتلاعب بالمصائر، والعبث بقوانين البلاد، التي وفرت فرصة كبيرة للنهوض الإقتصادي والمالي لهذا البلد، ووفرت او ايقظت ما يوصف «بالمعجزة اللبنانية» في ستينات القرن الماضي، ويسعون، في سبيل التمويه او تبرئة الذمة الى «الإسهال» التشريعي، عبر قوانين، واقتراحات قوانين، تارة من أجل الاصلاح، وتارة أخرى من أجل «الانقاذ»، وكأنهم بريئون من «دم هذا الصديق».

ومن المؤكد، في «ديمقراطية فاسدة»، غاب عن بال نواب فيها، ووزراء، تنطحوا الى السلطة، عبر استيلاد قوانين انتخابات، لا تأتي بغيرهم الى «الندوة البرلمانية»، ان المسألة، لا تتصل بالقوانين او التشريعات، بل برجال مبادئ صالحين، يسهرون على سلامة المجتمع، والمنافع التي تؤمن الأمن، والدواء والغذاء، وفرص العمل المتكافئة، وفقا لقواعد الكفاءة والمساواة..

والسؤال البدِّيهي: هل قرأ أحد منكم ما كتبه موتسكيو في «روح الشرائع»: «إذا فسدت مبادئ الحكومة ذات مرة أصبح أحسن القوانين سيئاً، وتحول ضد الدولة، وإذا ما كانت سليمة المبادئ، كان لأسوأ القوانين نتائج حسنة، فقوة المبدأ تجتذب كل شيء».

ويتفرَّع عن هذا السؤال، سؤال تبعيّ: هل بإمكانكم، ان تفصحوا عن أية مبادئ تديرون السلطة فيها في بلدكم المنهك لبنان؟.

المسألة هنا، وليس في التباكي او التسابق، على ذر الرماد في العيون.. ها هو «قانون الدولار الطالبي» صار نافذاً، هل بامكانكم ان تخبروا أهالي الطلاب الذين يدرسون في الخارج عن كيفية تطبيقه أو تنفيذه، أو مآله!

والسؤال الأخطر، كيف تتطابق الإنهيارات المالية مع مبادئ دستور الدولة اللبنانية، لا سيما تهديد ودائع المواطنين اللبنانيين.. التي هي ملكية لهم.. هل تعرفون، يا رجال الفساد في الطبقة الحاكمة في لبنان، نص البند «و» من مقدمة الدستور: «النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة».

من يكفل ملكية المودع لماله في البنوك اللبنانية، التي تواطأ أصحابها، وكبار مدرائها مع أقطاب الطبقة السياسية وأذنابها، وهربوا المال الى الخارج، وعبثوا بالمقدرات والأموال، والصحة والغذاء، والدواء، وفتحوا البلد أمام الجرائم المستفحلة، وأمام اليأس من المصير الأسود المحتوم..

ثم كيف يحمى الدستور في المادة 15 منه: «الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلَّا لأسباب المنفعة العامة».

تلك هي المسألة.. وهي أبعد من تأليف حكومة، من هذه الشخصية أم تلك.. المسألة تتعلق برجال حكم، يعملون وفقاً لمبادئ المنفعة العامة، وليست الخاصة، ويحرصون على المال العام، حرصهم على أولادهم ومنازلهم وممتلكاتهم.. ويكفون عن التلاعب والتغالب، على أنقاض وطن، بات قاب قوسين أو أدنى، من التعرّض لخطر الزوال!