بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2019 12:05ص المطلوب استشارات تحترم الدستور والميثاق وصرخة الساحات

الثورة في خمسينيتها تُسقط مرشح باسيل - الثنائي وتصفع العابثين بمصائر البلد

حشود الساحات مستمرة حتى تحقيق المطالب حشود الساحات مستمرة حتى تحقيق المطالب
حجم الخط
من المفترض أن تجري اليوم الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، وهي الخطوة التي طال انتظارها بعد استقالة حكومة سعد الحريري في 29 تشرين الأول، أي قبل 42 يوماً جرى في خلالها تداول أسماء خضعت لما يشبه امتحان القبول، وتسريب صيغ لتقاسم الحصص بين قوى السلطة، وكلّ ذلك مخالف للدستور طبعاً، لكنه أيضاً يكشف أن عقل السلطة الباطن يتعامل مع الأحداث وكأن شيئاً لم يحصل في البلاد منذ 17 تشرين الأول الماضي!

من يجرؤ؟ 

في الجديد المتوقع، اعتذار الاسم الأكثر تداولاً، سمير الخطيب، وإعلانه الانسحاب من السباق، ملتحقاً بمن سبقه محمد الصفدي وبهيج طبارة، وكل من ستنتجه آلة المكابرة والعبثية والتحدي وتجاوز الدستور والميثاق الوطني. وبذلك يكون الخطيب حفظ ماء وجهه أمام وطنه وطائفته والانتفاضة والتاريخ. 

السيناريو المتوقع، عودة المسألة الحكومية إلى مربعها الأول، أي النقاش حول خياري: الحريري لحكومة تكنو–سياسية ببرنامج إصلاحي حقيقي، أو ترشيح الحريري لاسم آخر يتناسب مع تحديات المرحلة. مع الاشارة إلى أن اسم نواف سلام لا يزال يواجه بمعارضة شديدة من فريقي العهد والثنائي الشيعي. 

 لسنا ذميين في دولة باسيل

وبعيداً عما إذا كان سيمر اسم سمير الخطيب أم لا، وإمكانية تشكيله حكومة (وكل من سيرشح وفق ذات الطريقة) تنال ثقة مجلس النواب والشارع أم لا، فإن ما حصل خلال الأسابيع الأخيرة بعد استقالة الحكومة السابقة يعني في ما يعنيه إمعان تحالف قوى السلطة بإنكار ما شهده لبنان خلال أكثر من خمسين يوماً، وكأنه حدث عابر، خصوصاً لناحية إعادة تركيب حكومة مستنسخة عن تلك التي استقالت بفعل ضغط الانتفاضة، والمجاهرة بالمحاصصة وتقاسم الكراسي والمواقع رغم الفشل الصارخ في إدارة شؤون البلاد، وفي وقت تقتضي الأزمة الحادة الراهنة، والانحدار غير المسبوق نحو كارثة اقتصادية ومالية.. وربما أكثر تشكيل حكومة انقاذ، ذات مصداقية وشفافية واختصاص، وهي معايير ليست موجودة عند السلطة الحالية. 

من حيث المبدأ الدستوري يحق لسمير الخطيب أو غيره من الذين سبقوه أن يكون مرشحاً، ويحق للكتل النيابية تسمية من تشاء، هذا في حال افتراض أن العملية السياسية والدستورية في لبنان تسير بشكل طبيعي، أولاً، وأن البلد لا يواجه مخاطر الانهيار وأهوالاً غير عادية، ثانياً. ما جرى أن تسميته وتسويقه خلال أسبوعين خضع لدوس واستخفاف بالدستور، ولتفريغ الخطوة، والمهمة، والموقع من معناه. وما جرى أيضاً أن السيناريو الحكومي الذي تمّ تداوله هو استنساخ لما قبلها، اي حكومة فشل ومحاصصة واستقواء، وبالتالي، فإنه لو مرّت تسمية الخطيب سيكون رئيس حكومة عون/باسيل – الثنائي الشيعي الذين فصّلوا له حكومة على مقاس مصالحهم وحساباتهم لا أكثر، وهنا كارثة الكوارث، وسقطة سيدفع سُنُّة لبنان ثمنها لخمسين سنة مقبلة، وهذا الأمر، وفق دستوريين، ليس رفضاً لشخص الخطيب ولا تغزلاً بسعد الحريري، بل لأن الطريقة التي تمّ فيها الاختيار والتسويق والتعهّدات التي رافقت كل ذلك وضجّت بها الصالونات والمنابر ووسائل الإعلام، حوّلت السُنّة إلى مجرّد «ذميين» في دوامة العبثية والغوغائية والترهيب. 

لثلاث سنوات كانت توضع فيتوات عند أسياد الميثاقية الجدد على أصغر موظف في الدولة، وظلمَ مئات الشباب اللبناني بشكل كيدي وظالم تحت هذا العنوان الذي يخفي طائفية مقيتة، فإذا بهم يمارسون هذه البلطجة على الموقع السني الأول!! 

من صرعوا آذاننا بالحديث الببغائي عن الميثاقية يغتالونها بأبشع صورة، من خلال عملية التسمية وتحديد المهمة والبرنامج في تخطي للمقام، وخلافاً لرأي دار الفتوى، ورؤساء الحكومات السابقين، وجزء وازن من تيار المستقبل والمجتمع المدني ومكونات الانتفاضة... اللوم هنا على تورط الثنائي الشيعي بهكذا خطوة، على الرئيس نبيه بري بوصفه أحد حماة الدستور والطائف، وعلى حزب الله لإمعانه بتغطية خياره بدعم عون– باسيل ولو أدى ذلك لحرب أهلية سيقال عاجلاً أم آجلاً أنه مسؤول عنها.. اللوم عليهما أكثر وليس على جبران باسيل الذي انتهى سياسياً بأكثر من معنى. 

فمواقف باسيل، وآخرها تلويحه بالفوضى واستنساخ السيناريو السوري في لبنان، وما سبقه لسنوات من خطاب الكراهية والتبشير بالحرب الأهلية (ويلحق به أتباعه وآخر ابداعاتهم مقولة مي خريش حول قطع الطرقات على المسلمين).. كل ذلك يمثّل مصدر قلق وخطر لأي لبناني عاقل وحريص على السلم الأهلي، لأنهم بإمعانهم بالتحريض والطائفية والفساد يخلقون بيئات مواتية للعنف والانزلاق بالبد نحو الهاوية. 

تخيلوا. تخيلوا فقط حجم المأساة. من أبسط مهام أي وزير خارجية في العالم هي تحسين علاقات بلاده بالدول الأخرى، لكن باسيل، وعلى حساب الخزينة العامة وجيوب اللبنانيين، يصرّ على تخريب ما تبقى من علاقات للبنان بالعالم العربي والعالم. في وقت «يطلب» رئيس الحكومة من دول العالم مساعدات عاجلة لضمان الأمن الغذائي المهدد بسبب السياسات الفاشلة لهذه الطبقة السياسية. 

طوفان فساد وإفلاس وفشل 

إنها مفارقة فظيعة، ما يمارسه تحالف السلطة بتجاهل المستجدات والقناعات التي نتجت عن الانتفاضة، وكل مطالبها وأهدافها، وكل معاناة الشعب وآلامه وصرخاته، وكل الوقائع – الفضائح المتصلة بأداء الحكومات المتعاقبة وطريقة إدارة المال العام.

ليست صرخات الناس في الساحات من عرّت السلطة من ورقة توت فراغها. فحال البلد أنه قابع في مستنقع كبير من الفساد والفشل والاهتراء والهدر والنهب الذي أنتج خلال أقل من شهرين فقط، إفلاساً، طوفاناً، عنفاً، حرائق، انتحاراً، هلعاً من فقدان المحروقات والسلع الغذائية والتموينية، وتحوّل المصارف إلى ما يُشبه المتاحف التي تُزار للتفرج فقط. مشهد الطوفان الذي ضرب مناطق عدة منتصف الاسبوع الماضي بسبب أقل من ساعة أمطار، وتسبب بدمار واحتجاز عشرات آلاف المواطنين لساعات طويلة بفعل انعدام الصيانة وتراكم النفايات وإهمال المرافق يعكس بصورة شديدة الواقعية حال غالبية المرافق والقطاعات. ثم يأتي من يسأل لماذا يثور الشعب ولماذا يرفض عودة الطبقة الحاكمة إلى السلطة؟!

ليذهب النواب إلى بعبدا، وليسموا من يشاؤون.. وليذهب الشعبُ إلى الساحات، وليتحضر لإسماع كلمته بطرق جديدة وأكثر ابداعاً وبرنامج واضح للطبقة الحاكمة، عساها تدرك أننا أمام كارثة حقيقية، وهي مجتمعة تتحمل مسؤولية كل ذلك.