بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الثاني 2018 12:54ص المطلوب تفادي تصعيد الخلاف وانتهاج الحوار لحل المشكلة بدلاً من استعمال الشارع

توظيف خلاف مرسوم الأقدمية في الإنتخابات يعيق التوصُّل إلى تسوية بخصوصه

حجم الخط

ما يعيق الوساطات المبذولة هو إصرار البعض على توظيف الخلاف الناشب في مسألة شد عصب ناخبيه وجمهوره في أي منطقة كانت

ليست الأزمة الناشبة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي على خلفية مرسوم الاقدمية هي الأولى بينهما كما يتراءى للبعض وإنما هي استمرار لسلسلة أزمات متواصلة بدأت عشية الإعلان عن التفاهمات والتحضيرات التي جرت لانتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بالرغم من رفض الرئيس نبيه برّي لهذا الخيار الخارج عن ارادته، ومنذ ذلك الوقت ما تزال الخلافات والمشاكل تتصاعد حدتها حيناً وتهمد وتخف وتيرتها حيناً آخر، ولكنها لم تنتهِ تماماً وبقيت تسكن هواجس الوسط السياسي برمته وتظهر للعلن كلما طرح موضوع أو مسألة مهمة وحساسة على بساط البحث والمناقشة في مجلس الوزراء وخارجه وصولاً إلى الخلاف الحاصل بخصوص مرسوم الاقدمية الذي يُشكّل العنوان الأساسي للأزمة الحالية وباتت تفاعلاته السلبية تعيق الحركة السياسية وانطلاقة الدولة ككل كما يحصل في الوقت الحاضر، وأصبحت الحلول المطروحة بخصوصه محكومة بظروف وحسابات الانتخابات النيابية المقبلة لكل طرف من الطرفين أو حتى أبعد من ذلك، إذ لم تؤدِ المساعي والاتصالات الجارية إلى إيجاد الحل النهائي له في وقت قريب. فالبعض يعتبر ان التشبث بالمواقف المعلنة من أزمة المرسوم المطروح حالياً لا يُمكن الرجوع عنها، تارة لاعتبارات الصلاحيات الدستورية وتارة أخرى تعود لأصول المشاركة في السلطة وعدم أحقية البعض الآخر في حرمانه من هذه المشاركة تحت أي ذريعة كانت، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار الأزمة على حالها وبالتالي لا بدّ من البحث عن حل ينهي هذه الإشكالية ويعيد وتيرة انتظام الحياة السياسية إلى طبيعتها المعهودة.
ولكن يلاحظ ان تزامن الدخول في الأزمة الحالية مع اقتراب العد العكسي للانتخابات النيابية ومبادرة جميع الأطراف التحضير الجدي لهذه الانتخابات والسعي قدر الإمكان للطرفين المعنيَّين في توظيف هذا الخلاف المستشري بينهما قد يعيق الوساطات والاقتراحات المطروحة من أكثر من طرف وخصوصاً من رئيس الحكومة الذي يبذل جهوداً حثيثة لإنهاء هذه الأزمة، بأسرع وقت يُمكن لتفادي تداعياتها السلبية على مسار الحكومة والوضع السياسي ككل.
الا ان ما يعيق هذه الوساطات المبذولة هو إصرار البعض على توظيف الخلاف الناشب في مسألة شد عصب ناخبيه وجمهوره في أي منطقة كانت باعتبار ان رفع سقف المواقف والتصريحات المعلنة من هذا الخلاف وعدم الاستعداد للتراجع تحت حجج وتبريرات مختلفة عامل ضروري ومهم لتحريك القاعدة الشعبية وجذبها باتجاه زعيمها أو مرشحها المرتقب للانتخابات النيابية، في حين يحصل العكس في حال تمّ التراجع عن المواقف المعلنة من هذا الخلاف وهو ما يجب تجنبه وعدم الوقوع فيه لتفادي تحول القاعدة الشعبية وشعورها بالاحباط واتجاهها لاختيار مرشحين آخرين أو البقاء على الحياد على الأقل.
ويبقى ان الدوران في حلقة المشكلة القائمة على هذا المنوال الحاصل بين الرئاستين الاولى والثانية من دون التوصّل إلى تسوية بخصوصه لوقت طويل إن كان بهدف استغلاله بالانتخابات النيابية وعدم استعداد أي من الطرفين للتوصل إلى الحل المطلوب، فهذا يعني بالدرجة الأولى، ليس فرملة مسيرة العهد مع بدء السنة الثانية من ولايته ولا عرقلة عمل الحكومة وتعطيل كل جهودها ومحاولاتها للنهوض العام وإنجاز انعقاد المؤتمرات الدولية الثلاثة لدعم مسار الدولة وتنشيط الوضع الاقتصادي ووضع خطط تنفيذ مشاريع الكهرباء والنفايات موضع التنفيذ الفعلي وبالسرعة الممكنة، وإنما إدخال البلد ككل في مرحلة من الشلل السياسي والاقتصادي التي قد تطيح بالانتخابات النيابية ككل ولا يستفيد منها أي طرف من الأطراف مهما كان فاعلاً ومؤثراً.
ولذلك، وفي ضوء ما يحصل حالياً من تجاذبات وارتجاجات سياسية وصلت تداعياتها إلى استعمال الشارع مجدداً لتصفية الحسابات السياسية كما حصل بالأمس، يقتضي الأمر بجميع الأطراف التحسس لخطورة المشكلة القائمة والتحرك بسرعة وفاعلية للجم تداعياتها وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال التوصّل إلى حل مشكلة المرسوم وملحقاتها من المشاكل الأخرى ضمن الأطر السياسية والدستورية ومن خلال النقاش السياسي على طاولة مجلس الوزراء وهذا ممكن إذا صفت النوايا وتحمَّل كل طرف مسؤوليته في هذا الإطار، لأن تدحرج الأمور باتجاه الشارع يعني في النهاية ان الانتخابات النيابية ستكون في خطر بالرغم من تأكيد معظم الأطراف بإجرائها.