بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2021 12:00م باقٍ معنا فكراً وذكراً

حجم الخط
قامة وطنية كبيرة بحجم جان عبيد تبقى أقوى من صدمة الحزن، وأكبر من فجأة الغياب، وأبلغ من كلمات الرثاء.
 لم يكن سياسياً بقدر ما كان مواطناً يعيش بين أهله البسطاء، يشاركهم معاناتهم، ويخفف من آلامهم، ويحاول أن يلبي حاجاتهم بما تيسر له من قدرات وإمكانيات.
 لم يكن وزيراً لخارجية لبنان بقدر ما إستطاع أن يكون وزيراً لخارجية العرب، في زمن كان للتضامن العربي معنى، وفي مرحلة حقق التنسيق العربي العديد من الإنجازات.
 لم يكن لبنانياً بقدر ما كان عروبياً يفخر بقوميته، ويؤمن بالروابط المشتركة بين الدول العربية، التي عملت أيادي الإنتداب والإستعمار تمزيقاً لجغرافيتها الواحدة، وزرعت حدود الفرقة والصراعات، والأحقاد أحياناً، على أرضها، بعدما أمعنت بسياسة «فرّق تسد» بين شعوبها.
 كنا نناديه مع كثير من الأصدقاء «فخامة الرئيس»، ليس مدحاً أو تملقاً، بقدر ما كانت قناعتنا مؤمنة بحاجة لبنان إلى رئيس يملك رؤية وطنية صافية، ويتمتع برصيد من الصداقة والإحترام في العالم العربي، ويحظى بكثير من الود والتقدير في أوساط النخب، كما لدى شرائح واسعة من المجتمع المدني.
 كان رجل حوار وتسامح، ويتميز بمعرفة واسعة بالأمراض السياسية المزمنة للبلد، ويدرك أهمية رعاية وصون الشراكة الوطنية.
 ألغى العنف من قاموسه الوطني، وكان يؤمن أن لبنان بحاجة إلى رئيس قوي بفكره ورؤيته وحرصه على الوطن، وليس قوياً بعضلاته وعناده وتحيزه.
 كان صديقاً دائماً لـ«اللواء»، متابعاً لمواقفها، مناقشاً لبعض مقالاتها، وراصداً لمضمون صفحاتها الإسلامية، التي حرص مراراً على الإشادة بإعتدالها، والإستفسار عن بعض كُتّابها.
 من وحي تعاليم الإنجيل، وإشراقات آيات القرآن الكريم، نسج جان عبيد فلسفة حياة، أزالت الكثير من الشوائب التي خلفتها الأحقاد في مسيرة الإنسانية، التي مازالت تدفع الأثمان الباهظة بسبب المتاجرين بالأديان.
 الكورونا خطفت جان عبيد جسداً..، ولكنه باقٍ معنا فكراً وذكراً.