لقد فعلناها يا جو... بهذه الكلمات القصيرة صدح صوت نائبة الرئيس الأميركي المنتخب كامالا هاريس أمس الأول السبت، مؤكدة فوز الرئيس جو بايدن بالإنتخابات الرئاسية الأميركية كما فوزها بنيابة الرئاسة.
أما وقد أسدلت الستارة في بلاد العم سام بإعلان نتائج الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية ولو بعد انتظار طويل، حيث بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأصبح مفتاح البيت الأبيض بيد الرئيس بايدن ليكون سيّداً عليه على مدى الأربع سنوات القادمة، في علامة فارقة أزاحت وأسقطت دونالد ترامب عن عرش هذا البيت بعد مخاض انتخابي طويل انتهى بما انتهى إليه من نتائج عكست إرادة الشعب الاميركي بحرية وديمقراطية وإرادة العالم الأخرى.
بالتزامن مع ما استجد على صعيد نتائج الانتخابات في الدولة العميقة، أي الولايات المتحدة الأميركية، لا بدّ من الآن وحتى تسلم الرئيس جو بايدن مهامه الرئاسية مع مطلع كانون الثاني القادم والعام الجديد 2021، من حصول متغيرات وتبدلات جوهرية وأساسية في مسار وسياسات الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بايدن باتجاه ما يشبه قلب الطاولة على صعيد الإجراءات والقرارات والاحكام الجائرة التي كان يعتمدها الرئيس الخاسر دونالد ترامب في اتباع سياسات متسرعة وانفعالية علي مدى الاربع سنوات الماضية من عهده مما خلق انقسامات كبيرة وصراعات وخلافات ما بين الولايات المتحدة ودول عديدة أخرى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه وبعد جهد جهيد استطاع الأميركيون أن يحسموا الموقف في بلادهم وأن يرسموا مشهداً جديداً قد يطيح بكل المعادلات والمعايير والسياسات التي انتهجها وفرضها وتمسك بها ترامب حتى اللحظة الأخيرة من حكمه، وذلك من خلال شخصيته المتسلطة والمتحكمة بدول العالم، كما من خلال امساكه بما يشبه العصا الغليظة من جهة وفرض العقوبات شمالاً ويميناً لوضع اليد على الثروات النفطية والغازية والمادية في بلدان عديدة دون وجه حق، ومن ثم فرض ما يشبه الخوّات على دول عديدة متمولة وغنية مستخدماً أساليب ونعوتاً لم يعتد العالم على مثلها للحصول على ثروات تلك الدول وأموالها، بالتهديد حيناً والوعيد أحياناً أخرى، ناهيك عن إشعال الحروب والفتن والصدامات والنعرات بين الشعوب والأمم في معظم الأحيان.
أضف إلى كل ما تقدّم، إلغاء ترامب لعدة اتفاقيات إقليمية ودولية كان لها في حال تطبيقها كما يجب أن تبدل الخريطة في ساحات ودول كثيرة من هذا العالم أبرزها إلغاؤه لاتفاقية المناخ في أوروبا، واتفاقية الخمسة زائد واحد مع إيران، وبالتالي الخروج من الجمعيات والهيئات الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان، وآخرها كان انسحابه من منظمة الصحة العالمية والإعلان عن عدم دعمها وتمويلها، إلى غير ذلك من الأمور التي لم يتردد ترامب عن اتخاذ قرارات بشأنها.
من هنا ماذا يمكن لمنطقة الشرق الأوسط ولبنان بالطبع، ان ينتظروا من الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بايدن، وما هي آلية العمل المتوقعة على هذا الصعيد،وبالتالي ما هي أبرز المتغيّرات المرتقبة والتي قد نشهدها في هذا السياق لا سيما على صعيد الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وهل سيتمكن الرئيس بايدن من تذليل الصعوبات والعقبات على هذا المسار لإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. كما هل سيتمكن سيّد البيت الابيض الجديد من ترميم لا بل بناء المقومات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والصحية والاجتماعية التي تأثرت كثيراً بشكل سلبي في عهد الرئيس ترامب،والتي من دون شك كانت ستؤدي إلى تداعيات خطيرة جداً على دول عديدة في المنطقة ومن ضمنها لبنان بالتأكيد في حال عدم فرملة أو وضع حدّ لها، والتي كان من شأنها أيضاً أن تأخذ دولا أخرى نحو المجهول لا بل نحو نشوب حروب وصراعات، نكاد نعرف كيف تبدأ الا اننا بالتأكيد لا نعرف كيف ومتى تنتهي.
وبما أن الرئيس بايدن وادارته الجديدة يحتاجان إلى فترة زمنية غير قصيرة لكي يتم تشكيلهاواسناد المهام الىالشخصيات المعنية بهذا الشأن،علی أن يتم ذلك بسرعة ومن دون تسرع،عندها يمكن وضوح الصورة بالنسبة لتلك الإدارة الجديدة بالتزامن مع تسلم الرئيس بايدن لمهامه الرئاسية ودخوله البيت الأبيض على أرض صلبة، بعد إزالة الأجواء الملبدة حالياً بسبب النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأميركية ومن ثم يتم فتح ثغرة لإعادة التواصل ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري للخروج من التأزم الحاصل حالياً في أميركا، علی أن يساهم تبريد تلك الأجواء للعمل بعقلانية وهدوء وتروٍّ في سياق رسم خريطة جديدة للسياسة الأميركية التي ستتبع إن داخلياً أو خارجياً، وعلى
أساس إعادة تدوير الزوايا من جديد، خاصة بما يتعلق بحل الأزمات والمشكلات المتراكمة نتيجة تعنت ترامب وتمسكه بسياسته التي انعكست بشكل أو بآخر على بلاده وشعبه اقتصادياً وسياسياً وصحياً واجتماعياً كما على مختلف الصعد، وبشكل أخص الاهتمام الكلي من قبل الرئيس بايدن وادارته الجديدة بمواجهة جائحة الكورونا وأخطارها وانتشارها بشكل مخيف، حيث كان ذلك من أهم الأسباب التي أدّت إلى خسار ة ترامب في السباق الرئاسي الى البيت الابيض، وربما يستطيع الرئيس بايدن بالتعاون مع فريق عمل متخصص بهذا الشأن ان يواجه هذا الوباء واخطاره بشكل أو بآخر، وهذا ما يعلق عليه الأميركيون لا بل والعالم بأسره آمالاً كبيرة للقضاء على هذه الجائحة او الحد منها على الاقل، وهذا هو الاهم في المرحلة المقبلة.
إذاً، لا بد من الانتظار فترة تقارب الشهرين وهذا الانتظار سيكون ثقيلاً وطويلاً بالنسبة لمن ضاقت بهم الامور ذرعاً، خاصة في مجال مواجهة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية إن كان في اميركا نفسها او كان ذلك ايضا ينطبق على معظم دول العالم والتي يصلح القول فيها بأننا لم نرَ مثيلاً لها منذ زمن طويل، وقد ادت الى ما ادت اليه حتى الان من خلل وانهيار، والوصول الى مشارف الهاوية في الكثير من بلدان العالم، وهذا ما ينطبق حتماً على الوضع اللبناني الذي بات ينتظر بدوره في «ثلاجة الانتظار» ريثما يتم تحريك الملفات والمسارات الاقليمية والدولية دفعة واحدة او حتى «بالتقسيط» وربما سيجد لبنان عندها نفسه مجددا على الخريطة الاقليمية والدولية لكي تُرسم له معالم مساره ومصيره انطلاقاً من توافق الكبار في دول المنطقة والعالم المعنية بالشأن اللبناني كغيره من البلدان.
وبانتظار ذلك لا بد من فسحة امل وتفاؤل بأن يتفق اصدقاء لبنان واشقاؤه ومحبوه لاخراجه من النفق المظلم الذي هو فيه الآن والذي بات يهدد فعلياً الكيان والمصير والوطن والناس والمستقبل فيه ككل دون أن يدرك المسؤولون والحكام والسياسيون في هذا البلد حتى الآن مدى خطورة الأوضاع التي وصل اليها لبنان وكأني بهم يعيشون في عالم وكوكب آخر، اذ ان بعضهم او معظمهم كان ينتظر «ساعة الفرج» اي تحوّل ما تسفر عنه الانتخابات الأميركية، للبناء على ذلك وبالتالي بالهروب مما هم عليه الآن من واقع مرير ومأساوي لا بل كارثي تجاه ثقة الناس بهم بإنتظار اتباع سياسات اقليمية ودولية جديدة تتماشى مع رغباتهم بالبقاء في مناصبهم ومراكزهم وعلى كراسيهم في دولة ما عادت بدولة، وفي نظام يشبه كل شيء الا النظام، وضمن مؤسسات اصبحت شبيهة جداً «بمغارة علي بابا والأربعين حرامي».
لذلك، لم يعد بالامكان القيام بأي عمل اكثر مما كان بانتظار ما سيقدم عليه الرئيس بايدن وادارته الجديدة من خلال مبعوثيه وسفرائه ودبلوماسيه والسياسيين الذين سيرسمون خطة العمل للبيت الابيض على مدى الاربع سنوات القادمة، وهذا بحد ذاته وحده كفيل بأن يُبقي ايادي اللبنانيين على قلوبهم تدق تارة فرحاً، وخوفاً تارة اخرى على المستقبل والمصير، وهذا بكل صراحة وبساطة قدر هذا اللبنان وشعبه الطيب الذي يدفع ثمن تسلط الكبار من دول العالم من جهة، كما ثمن استشراء الفساد الذي لحق بمسؤوليهم وسياسييهم وحكامهم، وذلك بانتظار معجزة ما تخرج لبنان واللبنانيين مما هم عليه الان من مآزق وكوارث وانهيار اقتصادي واجتماعي ومالي ونقدي، الى ما هنالك..
أخيراً، لا بد من القول بوضوح ان هزيمة دونالد ترامب الانتخابية يجب ان تشكل درسا قاسيا وعبرة لكل المتسلطين والنافذين من المسؤولين والحكام الذي يعتقدون من خلال وجودهم في قصورهم وأبراجهم ان السلطة ستدوم لهم الى ما شاء الله.
وما العقوبات تلو العقوبات التي طالما فرضها الرئيس ترامب على عدة دول وشعوب والتي استمرت لسنوات وسنوات، الا انها قد اثبتت فشلها وها هو نفسه يتعرض لأقسى العقوبات من الشعب الاميركي الذي اسقطه وأخرجه من البيت الابيض رغم ما يتمتع به من هالة ومؤيدين ومناصرين ورغم التهديد والوعيد اما باللجوء الى العنف حيناً او المحاكم والقضاء احياناً اخرى لابطال نتائج الانتخابات الأخيرة، إلا ان كلمة الناس وصوتهم كان الاقوى والافعل، وليكن ما واجهه ترامب من مثل هذا المصير عبرة لمن يعتبر، وعلى قاعدة: اذا الشعب يوماً...