بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الأول 2018 11:59م «تأليف الحكومة لا يكفي بحد ذاته للنهوض بالبلد!» (٢/٢)

حجم الخط
تناولنا في الجزء الاول من هذا البحث شجون وشؤون تأليف الحكومات في لبنان ومعضلاتها وأخطائها، وصولاً إلى الاستنتاج أن تأليف الحكومة هي خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح ولكنها غير كافية بحد ذاتها للنهوض بالوطن.
لا شك في ان الوضع الاقتصادي اللبناني لم يَعد يحتمل المعالجات العشوائية المؤقتة، وإذا دلّت الارقام المتداولة والسياسات المنتهجة على شيء، فهي تؤكد ان لا رؤية واضحة لدى السلطة السياسية لإيجاد حلول ملحّة ومستدامة للأزمات المعيشية الراهنة، ووتيرة التراجع المالي السريع والمريع قد يؤدي الى فشل المؤتمرات الدولية المقررة لدعم المشاريع الاستثمارية والإنمائية في لبنان.
ما هو الحلّ للنهوض بالوطن؟ إذا كانت الدولة اللبنانية جادّة في مسعاها الى انتشال البلد من مستنقع الإفلاس والانهيار فعليها وضع خارطة عمل اقتصادية قابلة للتطبيق ثم تفعيلها وانجازها عبر حكومة مبنيّة على بيروقراطية تكنوقراطية تعتمد على دعامة الجدارة والأهلية والفعاليّة والكفاءة التقنية، على ان تتسم الحكومة بدرجة عالية من الاستقلالية وان تكون مُحيّدة عن التجاذبات الطائفية والسياسية. ثمّة حاجة ملحّة في لبنان لتفعيل التنمية والإدارة والإصلاح والتطوير الإداري وذلك من خلال توظيف الآليات الإدارية الحديثة التي تهدف بصورة مباشرة إلى تنظيم العمل في الجوانب الإدارية بشكل شامل. ولكي تصبح التنمية الإدارية فعّالة ورشيدة لا بدّ من توفر ظروف وعوامل تساهم في إنجاحها منها الاستقلالية والشفافية والمساءلة والمحاسبة وغيرها، حيث إنّ التنمية والتطوير هما نتاج العديد من العمليات طويلة الأجل، والتي تنجم عن التخطيط السليم ثم يتمّ تطبيق الآليات وتنفيذ الخطط بعناية. 
وبالكلام عن التخطيط ، يجب انشاء وزارة قائمة بحد ذاتها تُعنى بالتصميم والتخطيط (وليس وزارة دولة لشؤون التخطيط) وخاصة الخطط الطويلة الأجل، واستمراريتها، بحيث لا نبدأ من الصفر مع كل وزير يستلم حقيبته الوزارية، على ان ترعى الحكومة والوزارة تأسيس هيئة مختصّة بشؤون التصميم والتخطيط تشكّل من القطاعين العام والخاص وتقترح جميع الامور التي يحتاج اليها الوطن. وهذه قناعة بنيتها على خبرتي العمليّة إثناء عملي مستشاراً لوزارة التنمية الإدارية كم أن مفهوم الدولة للتنمية والادارة، وكذلك العاملين فيها، بعيدين عن الحداثة والتقنيات في شؤون وضع وتطبيق الخطط.
إضافة إلى التخطيط والتنفيذ السليم، على الدولة اللبنانية تفعيل المحاسبة لكي يكتسب لبنان آليات تصحيح ذاتي لمنع الانحطاط ومكافحة الفساد، وذلك عبر تفعيل العمل النيابي وتمكين المُكون القضائي من ممارسة استقلاليته التامّة، مع تمكين حكم القانون، الأمر الذي سيؤدي الى عودة ثقة المواطن والمستثمر بالدولة تدريجياً. فكلّما تشدّد القضاء في أحكامه على الفاسدين وكلما تعزز دور مجلس النواب التشريعي والرقابي، كلما اقتربنا من نموذج وطن حقيقي. وإذا تم تمكين حكم القانون وتطويق الزبائنية والمحسوبية، فقد يتمكن الشعب من إيجاد هوية مشتركة أساسها المواطنة تكون الدعامة الأولى في بناء نظام سياسي جديد في لبنان. ان مستهلّ السبيل الى المواطنة هو أولوية وترجيح العام الوطني على الخاص الطائفي.
يجب على المسؤولين اللبنانيين ان يبحثوا فوراً عن حلول واقعية ومستدامة، وإخراج الملفات الحياتية الأساسية فوراً من بازارات المحاصصات والصفقات والمحسوبيات علّ ذلك يعيد عجلة التنمية الاقتصادية إلى حالة الدوران.
الحاجة أصبحت ماسّة في لبنان إلى إرادة سياسية ترتقي بمؤسسات الدولة الى درجة الإخلاص والولاء الى الشعب اللبناني الذي بدوره يكون مخلصاً ووفياً للوطن، فيتوفّر المُناخ المناسب لانتشال لبنان من مأزق الانهيار الاقتصادي ويصبح للبنانيين فرصة حقيقية لبناء وطن سيّد حرّ ومستقلّ، وطن نهائي لجميع أبنائه.
لا مستحيل يقف في وجه أمّة عقدت عزمها وإجماعها وإرادتها على بناء وصون وطن يليق بأبنائها وطموحاتهم وغدهم المُشرق.