بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2018 12:48ص تحول التعاطف مع رئيس المجلس إلى ردود فعل «سلبية» واستنكارات لتحرك الشارع

ردّ برّي على إساءة باسيل أعطى مردوداً عكسياً كان يُمكن تجنبّه

حجم الخط

رئيس المجلس النيابي هو رئيس كتلة نيابية وازنة إضافة إلى أنه رئيس حركة «أمل» أيضاً، وبإمكانه الرد سياسياً  من خلال عدّة خيارات يملكها

الهزّة السياسية التي تسبب بها كلام وزير الخارجية جبران باسيل بحق رئيس مجلس النواب نبيه برّي، تركت أثاراً سلبية، ليس على واقع العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية فقط وإنما على مجمل الوضع السياسي العام، بالرغم من محاولات استيعابها، لأن ما قاله الوزير باسيل تجاوز حدَّ لغة التخاطب المعهودة بين السياسيين ولم يكن مقبولا أو مبرراً تحت أي ذريعة كات، ولكن ردة فعل الرئيس بري ومحازبيه على النحو الذي حصل في الشارع لاقى ردوداً سياسية وشعبية مستاءة من هذا التصرف الذي كاد يتسبب بتداعيات وحوادث خطيرة ذكرت اللبنانيين بالحرب الأهلية وشبيهاتها من الأحداث التي حصلت في الماضي.
والسؤال المطروح هو هل كان بامكن الرئيس برّي الرد على كلام باسيل المسيئ بحقه باسلوب سياسي ويتجنب استعمال أسلوب التحرّك بالشارع؟
بالطبع كان بإمكان رئيس المجلس النيابي الرد بالسياسة على كلام باسيل وهذا من حقه ولا أحد ينكره ليه باعتبار ما تعرض له من الصعب السكوت عليه أو تجاوزه دون ردّ أو إعلان موقف بمستوى الكلام الذي قيل أو سقف أعلى منه.
فرئيس المجلس النيابي هو رئيس كتلة نيابية وازنة إضافة إلى انه رئيس حركة «امل» ايضا، وبامكانه الرد سياسياً من خلال عدّة خيارات يملكها، كإعلانه مقاطعة زيارة قصر بعبدا هو ووزرائه ونوابه والدائرين في فلكه السياسي، مثلاً، أو مقاطعة جلسات الحكومة من قبل وزيريه والمتحالفين معه بوجود باسيل فيها، الايعاز برد سياسي قاسي على كلام الوزير أو حتى سحب وزيريه من الحكومة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تداعيات سلبية وغير ذلك من الخطوات التصعيدية الأخرى.
فأي ردّ فعل سياسي على هذا النحو ومن ضمن هذا الخيارا، كان سيعطي مردوداً ونتائج سياسية موازية أو تتجاوز لما حصل بكثير وبأقل قدر من الانتقادات وردود الفعل السلبية والعكسية التي حصلت على تحرك الشارع، لأن اللبنانيين بمجملهم لم يقبلوا مثل هذا التصرف المسيئ للأمن والاستقرار والذي يُعيد الوضع العام إلى الوراء بالرغم من كل مواقف التطمين والاستدراك التي صدرت عن الرئيس برّي فيما بعد، لأن  ما حصل قد ترك بصمات وتداعيات سلبية في النفوس والخشية من إعادة الأمور إلى الوراء وتدهور الأوضاع نحو الأسوأ.
والاهم، ان ردة فعل رئيس المجلس النيابي عبر تحركات الشارع التي كانت أحد اساليبه الضاغطة على خصومه السياسيين في ممارساته لتحقيق أهدافه السياسية، كما هو معلوم وهو ما اعتاد عليه اللبنانيون طوال العقود الثلاثة الماضية وما يتخللها من ردّات فعل من أكثر من جهة سياسية وحزبية خطفت الأنظار عن وقع وقساوة كلام باسيل المسيئ بحق برّي وقلصت من حجم الانتقادات السياسية والتعاطف الذي حققه في بداية الأزمة، بعدما بدأت تحركات الشارع الذي حققه في بداية الأزمة، بعد ما بدأت تحركات الشارع تأخذ منحىً طائفياً بغيضاً وتهدد بتداعيات ومفاعيل خطيرة، تتجاوز الأزمة السياسية الحاصلة وتحولت الملامة والانتقادات ضده وصولاً إلى اعتبار ما يحصل في الشارع بأنه ردّ فعل غير مبرر على هذه النحو، وهو غير موجه ضد تصرفات ومواقف وزير الخارجية، بل ضد مجموع اللبنانيين الذين لا ناقة ولا جمل لهم بهذه التصرفات ولا على المواقف التي اعلنها.
ولم يقتصر الأمر عند حدود هذه النتائج، بل أدى ردّ فعل الرئيس برّي في الشارع إلى نتائج عكسية مع بروز موجة تعاطف من الناخبين المسيحيين والتفافهم حول الوزير باسيل بالرغم من مواقفه التصعيدية والاستفزازية وتأثيراتها السلبية على الواقع السياسي العام لا سيما مع تراجع حدة الأزمة من دون صدور أي اعتذار رسمي عن الكلام الذي قاله حسبما طالب بذلك أكثر من وزير ونائب وقيادي بحركة «امل» كشرط لتنفيس الاحتقان ووقف التظاهرات بالشارع.
اما لماذا اختار رئيس ا لمجلس النيابي الرد بالشارع على إساءة الوزير باسيل ومواقفه الاستفزازية ضده بدلا من الرد السياسي؟ ربما لأنه اعتاد الرد بهذه الطريقة كعادته ولان يريد توجيه رسالة واضحة إلى خصومه بأنه ما يزال قادرا على اللجوء إلى الشارع لتحقيق أهدافه ومصالحه السياسية تحت هذا الضغط، وإلى حلفائه ولا سيما من يتحالفون مع «التيار الوطني الحر» ويتعايشون معه ويتغاضون عن تصرفات الوزير باسيل ومواقفه العالية السقوف، بأنه لا يُمكن تجاوز وزن رئيس المجلس السياسي والشعبي في التعاطي السياسي والتركيبة السلطوية كما حدث بانتخابات رئاسة الجمهورية أو في الاستحقاقات المقبلة وغيرها.
ولكن بالرغم من كل هذه الوقائع، فإن سقوف التخاطب السياسي التي رفعت على هذا النحو، تركت بصمات واضحة، ليس على العلاقات الرئاسية فقط، وإنما على مستوى التخاطب عموماً، وهو ما يؤشر إلى الانحدار أكثر في مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية المقبلة، ولان مسببات الأزمة لم تعالج، وقد تندلع من جديد لدى الاختلاف على أي ملف أو مسألة لا يتم التفاهم بخصوصها.