الواضح من خلال كل المعطيات التي أفرزتها حركة الاتصالات التي شهدتها الساحة الداخلية في الأيام القليلة الماضية لإيجاد المخارج للأزمة السياسية الناشبة منذ حادثة البساتين، والتي من شأنها ان تريح الوضع الداخلي المحموم، وتسمح لحكومة الوفاق الوطني المعطلة باستئناف نشاطها كالمعتاد من دون خوف على انفجارها من الداخل، الواضح ان هذه الاتصالات سقطت كلها نتيجة تمسك رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان وحلفائه من حزب الله والتيار الوطني الحر ومن خلفهما فريق الممانعة بما تعني هذه التسمية بالنسبة إلى اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية بإحالة حادثة البساتين إلى المجلس العدلي.
ووضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في قفص الاتهام بأنه وحزبه خططا لضرب السلم الأهلي من خلال محاولة اغتيال وزير وربما أكثر في الحكومة، ورد رئيس التقدمي برفض هذا الشرط وبأن تلصق به هذه التهمة التي لا اساس لها من الصحة وتهدف أولاً وأخيراً إلى محاصرته وتقويض زعامته الوطنية وزعامته الدرزية التي لا يُمكن لأي أحد التشكيك في صحتها، وعلى إيقاع ما آلت إليه الاتصالات، يصح القول بأن الأزمة الحكومية ما زالت تراوح مكانها، وان الدعوة التي كانت متوقعة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، قد رُحلت إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، إلا إذا كانت الليونة التي ابداها حزب الله بلسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم تمهد لقيام الحزب بمبادرة في اتجاه رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني تكون كفيلة بإخراج لبنان من هذه الأزمة وإعادة ضخ الدماء في جسم الحكومة المعطل منذ أكثر من شهر.
لكن اللافت في هذا السياق ان رئيس الجمهورية، المعني الأول بإيجاد مخرج ينهي هذه الأزمة، مر عليها في خطابه بمناسبة عيد الجيش مروراً عابراً، وركز في موقف لافت على اتفاق الطائف وتمسكه ببنوده وكل مقتضياته ليبعث بذلك برسالة إلى الذين يتهمونه بأنه خرج بالممارسة عن هذا الاتفاق، وعلى رأس المتهمين تيّار المستقبل ومعه دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين مما يدل على انه، أي رئيس الجمهورية، أدرك ان الأمور بلغت حدوداً، تفرض معها إعادة تصويب البوصلة، قبل أن يفقد زمام المبادرة، وتفلت الأمور من بين يديه، وليتحول لبنان من جديد إلى ساحة سائبة، تتقاذفها التيارات والاهواء المختلفة وتكون نتائجها وبالاً على المسيحيين وعلى الطائفة التي يمثلها في السلطة.
ان هذا الدفع الذي أعطاه رئيس الجمهورية للطائف بعد الممارسات السابقة التي استهدفته شكلاً ومضموناً لم تعد كافية لاقناع الفريق الذي يمثله رئيس الحكومة بأن الطائف ليس أو لم يعد مستهدفاً من قبل رئيس الجمهورية وفريقه، خصوصاً وان هناك أكثر من مؤشر على ان هذا الاتفاق ما زال مستهدفاً، وآخر هذه المؤشرات الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي طالباً منه تفسير الفقرة الثانية من المادة 95 من دستور الطائف والمتعلقة بغير الوظائف القيادية التي نص عليها هذا الدستور، فهل ان الرئيس يقصد من وراء توجيه هذه الرسالة فتح الباب أمام المتضررين لإعادة النظر في هذا الاتفاق، وبالتالي إدخال البلد مجدداً في مشكلة أكبر من المشاكل التي تعرض لها قبل الوصول إلى هذا الاتفاق؟
نرجو أن لا يكون الأمر كذلك، وان يكون ما قاله رئيس الجمهورية في مناسبة الاحتفال بعد الجيش يعبّر فعلاً لا قولاً عن تمسكه باتفاق الطائف، وبالتالي تمسكه بالاستقرار وبوحدة لبنان وشعبه في إطار الدستور ووثيقة الوفاق الوطني.