لم يعد يفصل اللبنانيين عن موعد الانتخابات النيابية سوى بضعة أشهر، لا تتعدّى الثلاثة، وبالرغم من التأكيدات التي يطلقها المسؤولون في كل يوم تقريباً، وبالرغم من ان باب الترشيحات فتح رسمياً مترافقاً مع إعلان وزير الداخلية المعني عن استكمال كل التجهيزات الإدارية واللوجستية لإجرائها في موعدها المقرّر في السادس من شهر أيّار المقبل، لا يزال المواطن يشكك في إمكان إجرائها، في موعدها بناء على تجاربه السابقة على هذا الصعيد، حيث كان المسؤولون يلجأون إلى اختراع الأسباب والذرائع الواهية للتأجيل ليحافظوا على مواقعهم السلطوية، مما يستدعي السؤال ما الذي تبدّل أو تغيّر اليوم، وهل الظروف الحالية متاحة لاجراء هذه الانتخابات في موعدها المقرّر وعدم الدخول في دوّامة التأجيل الرابع؟
صحيح ان أرباب السلطة، توافقوا في ما بينهم بعد نقاشات وعمليات شدّ حبال استمرت قرابة نصف عقد من الزمن على قانون جديد للانتخابات يجمع بين النسبي والاكثري، لكن الجدال الدائر بينهم منذ صدور هذا القانون ولا يزال، ومعه البلبلة السائدة في صفوف الأحزاب ومن يسمونهم المرجعيات رغم اقتراب موعد هذه الانتخابات، إن دلّ على شيء، فإنما يدل على ان هؤلاء الارباب أنفسهم نادمون في قرارة أنفسهم على إقرار هذا القانون، وإن كانوا يتظاهرون بتقبّله على علاته فهم في الوقت عينه، يخافون منه، ويعملون تحت الطاولة لإيجاد المبررات لابعاد هذا الكأس المرّة عنهم، وبذلك يحافظون على الوضع الحالي القائم الذي ثبت لجميع اللبنانيين انه الأفضل بالنسبة إلى الطبقة الحاكمة من أي وضع آخر يُمكن ان تأتي به الانتخابات في حال تمت بموجب القانون الجديد الذي أصبح نافذاً، وان كانوا يتسابقون في الظاهر فقط للتأكيد على ان الانتخابات ستجري في موعدها وان القانون الذي اقروه هو الأفضل لأنه يحقق التمثيل الصحيح، لجميع اللبنانيين، ولا يجعل من فئة تتحكم بهذا التمثيل كما كان الحال في ظل القانون الأكثري، الذي مكّن الأقلية من ان تتسلط على الحكم، وتبقى الأكثرية صاحبة الحق خارج السلطة.
وبالرغم من سيئات القانون الذي أصبح نافذاً وتعقيدات نصوصه، لا يوجد مواطن لبناني واحد يريد تأجيل الانتخابات وحرمانه من ممارسة حقوقه التي كفلها الدستور والقوانين المرعية الاجراء في النظام الديمقراطي من ممارسة حقه في اختيار ممثليه في أعلى سلطة في الدولة، أي في الندوة النيابية، لكن القلق ما زال يساوره من ان يكون هناك تفاهم بين أرباب السلطة على تأجيل هذه الانتخابات حرصاً منهم على مواقعهم التي يحتلونها من دون مسوغ شرعي، وامعاناً في حرمان اللبنانيين من إيصال من يرون انهم يمثلونهم حقاً في مجلس النواب بالرغم من العيوب الكثيرة للقانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات، ولهذه الأسباب يساورهم القلق من تصرفات أرباب السلطة على مصير هذا الاستحقاق الديمقراطي بامتياز وإن كان هؤلاء لا يتركون مناسبة الا ويؤكدون فيها تصميمهم على إجرائها في موعدها المقرّر... إلا إذا!