بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الثاني 2021 12:02ص تشكيل الحكومة وعبء التثقيلين

حجم الخط
ليست هي المرة الاولي، التي تتعثر فيها ولادة الحكومة، اذ ثمة سوابق شهدها الوضع السياسي اللبناني، حيث كان التشكيل يستمر اشهراً، وخاصة منذ الفترة الذي دخل فيها التيار الوطني الى جنة السلطة واستمرأ نعيمها، اسوة بمن سبقه واعتاد النهش من جسد الدولة التي جف ضرعها وتحولت الى هيكل عظمي. وبعد ان أصبحت السيادة في خبر كان، ولم تعد ما تسمى بالوزارات السيادية محط اهتمام لدى القوى الممسكة بمفاصل السلطة، اصبح الصراع يشتد حول الوزارات الدسمة، لانه بات لها ميزانيات ضخمة من خزينة الدولة والقروض والهبات والمساعدات الخارجية. 

واذا كانت عملية التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة ليست هي المرة الأولى، اذ ثمة سوابق بذلك، الا انه للمرة الأولى التي يشهد فيها الخطاب السياسي المواكب للتأليف هذا المستوى الهابط في استعمال المفردات التي يخاطب من هم في الواقع السلطوية بعضهم بعضاً. وهذا ما جعل الخطاب السياسي ضحلاً في مضمونه وبعيداً عن ملامسة الأسباب الفعلية التي تعيق تأليف الحكومة الجديدة والتي لا تبدو  ولادتها قريبة. 

لقد استغرق النقاش والسجال وقتاً طويلاً حول طبيعة الحكومة وشكلها، من حكومة اختصاصيين ومستقلين تارة، الى حكومة سياسية  او تكنو - سياسية تارة أخرى، ومن حكومة مصغرة الى حكومة موسعة، واياً كان شكل الحكومة التي يدور السجال حولها، فإنها لن تأتي بالحلول للازمة بكل عناوينها وتعبيراتها وانعكاساتها على الوضع المعيشي  الذي بلغ مستوىً حاداً، بعد انهيار النظام المالي ومعه النظام الصحي وزاد طينه بلة، تفجير مرفأ بيروت، الذي لم يفجر العاصمة وبناها وحسب، وانما فجر المنظومة السياسية بعدما كانت الانتفاضة الشعبية قد عرتها وكشفت فسادها واسقطتها اخلاقياً.

ان الحكومة لن ترى النور في القريب العاجل بسبب التجاذبات الداخلية الحادة حول الحصص اولاً، وعدم وجود الكيمياء السياسية بين من يفترض ان تتشكل منهم مباشرة او مداورة ثانياً، واذا ما قيّض لها ان تتألف بعدة شغلها الداخلية والاليات المعتمدة، فإنها لن تستطيع ان  تجترح الحلول للازمة، سواء سمت نفسها حكومة مهمة، او حكومة انقاذ، او اية تسمية يمكن ان تسقطها على نفسها. 

نقول ان الحكومة لن تكون افضل من سابقاتها في إدارة الشأن السياسي، لان الوضع اللبناني يقع تحت عبء تثقيلين كبيرين. 

تثقيل سياسي - امني، وتثقيل اقتصادي. واذا كان التثقيل الأمني السياسي - الأمني يديره طرف يرتبط بمركز التحكم والتوجيه الإيراني الذي يستعمل لبنان منصة لادارة مشروعه في الإقليم، وهو لم يخف ذلك عندما اعلن مسؤولوه في مناسبات عديدة  بان بيروت باتت تحت سيطرتهم اسوة بعواصم عربية أخرى، فان  التثقيل الاقتصادي تديره القوى الخارجية التي تملك القدرة على التمويل وتقديم القروض والمساعدات، وخاصة تلك التي تتمثل بالصناديق الدولية التي تربط تقديم القروض بما تسميه رزمة إصلاحات اقتصادية ومالية، يأتي في أولوياتها تحرير سعر صرف العملة الوطنية وتحرير أسعار السلع والخدمات، وبمعنى اخر إعطاء شحنة دعم لنظام الاقتصاد الريعي، والذي جعل البلد يفتقر الى مناعته وينهار تحت ضغط الازمات المتراكمة والذي سرع من انهياره فساد الطغمة السياسية الحاكمة ونهبها للمال العام، والتعامل مع القطاع العام باعتباره ميداناً حيوياً لممارسة الزبائنية وممارسة الاستثمار السياسي فيه. 

من هنا، فان البحث عن مخارج للحلول لتخليص البلد من ازمته الخانقة، بتجاهل هذين العاملين وتأثيراتهما  الضاغطة، هو كالبحث عن ابرة في كومة قشٍ، هذا ما يملي ان تتوجه الأنظار الى معالجة أسباب الازمة الفعلية الناجمة عن هذين التثقيلين والذي يبدو انه ليس سهلاً تحقيقه بالاستناد الى معطى  موازين القوى الداخلية، لان هذين العاملين مرتبطان بالصراع في الإقليم المرتبط بدوره بالصراع الدولي في المنطقة وعليها.

لكن عدم قدرة الأطراف الداخلية  على ان تشكل روافع للحل بقدراتها الذاتية، لا يعفيها من تحديد سبل الحل والياته. ومدخل ذلك، موقف وطني بالدعوة الى انسحاب الطرف الذي يدير المشروع الإيراني لحسابات النظام الإيراني من الإقليم، وان يعود الى لبنانيته ويخوض صراعاً على أرضية الموقف الداخلي، وله الحق بان يأخذ حصة في السلطة بقدر ما يحوز عليه من مساحة تمثيلية، اسوة بسائر القوى الداخلية. وهذا الطرف عليه ان يعي ويستوعب معطيات التجارب السابقة التي حمّلت ساحة لبنان اثقال أدوار إقليمية اكبر من قدرة بنيته على تحمله، فانهار تحت تثقيلها ومعه انهارت المشاريع برافعاتها الإقليمية وحاملاتها الداخلية، والجميع خرج خاسراً منها، وهذا كافٍ لان يتعظ منه من لا يقرأ جيداً المتغيرات الحاصلة في الإقليم وإعادة تشكيله. 

واما بالنسبة للتثقيل الاقتصادي، فعلى من يريد  للبنان ان يستعيد عافيته  ويستأنف دوره ووظيفته في المنطقة والعالم، ان لا يقبل بان تربط المساعدات والقروض بالشروط التي تجعل الاقتصاد اللبناني بكل اقانيمه اقتصاداً ريعياً، استفادت منه سابقاً طبقة طفيلية، تعتبر مسؤولة من خلال أدائها السابق عما اليه البلد من انهيار اقتصادي وافلاس مالي، وهي تسعى لاعادة انتاج نفسها وكأن الذي حصل بعد انتفاضة ١٧تشرين الأول لم يغير شيئا في واقع الحال السياسي. 

ان اللبنانيين، وكما يستحقون نظاماً سياسياً وطنياً، يقوم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات عبر إعادة تشكيل السلطة على قواعد وطنية عادلة، فإنهم يستحقون ايضاً نظاماً اقتصادياً وطنياً يقوم على الأسس الإنتاجية في قطاعاته الصناعية والزراعية بشكل أساس، وبما يعيد الاعتبار لدوره في التجارة والسياحة والقطاع الخدماتي. 

ان هاتين المسألتين، التثقيل السياسي الأمني، والتثقيل الاقتصادي، اذا لم تتم مقاربتهما برؤية وطنية موحدة لجهة التشخيص ولجهة الحلول لمعضلاتهما، فعبثاً البحث عن حلول للازمة، التي تحولت الى ازمة بنيوية وهي التي تغطى بالتعقيدات الظاهرية لتشكيل الحكومة.

صحيح ان اللبنانيين يريدون حكومة لادارة المرفق العام، الا انهم يريدون حكومة حلٍ، وليس  حكومة إدارة ازمة.