بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الثاني 2019 12:00ص تضليل

حجم الخط
عجباً للذين يوهمون النّاس بأنهم إعلاميون، والإعلام منهم براء، يطُّلون على شاشات التلفزة، ويوجهون سهام الانتقاد للشعب الذي نزل إلى الشارع يطالب بمحاسبة أرباب السلطة الذين سرقوا منه حقوقه، وتمادوا في ظلمه وفي التلاعب بلقمة عيشه إلى درجة لم يتركوا امامه سوى الثورة على جورهم، والبقاء في الساحات إلى ان يساقوا إلى المحاكمة العادلة وزجهم في السجون بعد ان يسترد منهم كل حقوقه المغتصبة. فهؤلاء لا يمتون إلى هذه المهنة الشريفة بأية صلة، لا من بعيد ولا من قريب، بل هم دخلاء عليها أو ابواق لمستخدميهم، فالاعلام رسالة ووظائف فمن أولى رسالته الانتماء إلى الشعب المحكوم والدفاع عن حقوقه في وجه الحكام الذين جاء بهم مصدر السلطات صاحب الحق في الحياة الحرة الكريمة، وليس المستَغل (بفتح التاء) لارواء طمعهم وجشعهم، والاستئثار بالسلطة لتحقيق الأطماع والمكاسب. 

ومن أولى وظائفه تنوير الرأي العام وارشاده، ومحاسبة حكامه على ارتكاباتهم على قاعدة الصدقية والموضوعية والدقة، وهؤلاء الدخلاء المتطفلون، لا يعرفون ان أولى رسالة الإعلامي ووظيفته ان يأخذ جانب الرأي العام ويسخَّر قلمه ولسانه للدفاع عنه، بمعزل عن ميوله وعواطفه الشخصية، أو انهم يعرفون، لكنهم يخونون شرف المهنة وشرف الرسالة التي انتدبوا أنفسهم لها، بما يُشكّل إساءة بل جريمة لا تغتفر، ومن المؤسف بل من العار على وسائل الإعلام إعطاء مساحات كافية، لامثالهم لكي ينتقدوا الشعب أو يضللوه باسم الإعلام أو يشوهوا صورته وانحيازهم إلى اسيادهم الذين اشتروهم بعشرات وبمئات من الدولارات، بينما كان المطلوب من أصحاب هذه الشاشات ان يمنعوهم من الظهور، من منطلق ان الإعلام هو مرآة الرأي العام، يعكس نبضه ويبرز اخباره، ويدافع عن حقوقه في وجه الحكام الظالمين، وليس العكس كما نسمع البعض ممن يدعون زوراً انهم اعلاميون. من حملات تشن على الرأي العام، ومن دفاع مستميت عن الظالم الذي ينكل بالمظلوم، أو يحاولون تدجينه حتى لا يقول الحقيقة ويرميها في وجوههم.

على مدى عشرين يوماً، شاهدنا وسمعنا، وقرأنا، لهؤلاء الدخلاء، كلاماً مهيناً بحق الشعب الثائر على جلاديه، ومغتصبي حقوقه ولقمة عيشه، كما سمعناه دفاعاً مستميتاً عن الجلادين، فإلى متى تستمر هذه المهزلة في وسائط الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية. أفما آن الأوان للمسؤولين عن هذه الوسائط ان يلتزموا بشرف المهنة وبأخلاقياتها وبرسالتها ووظائفها التي يجب ان تُعنى، وقبل أي أمر آخر بمصلحة الرأي العام.

صحيح ان هناك إعلاماً حزبياً، لكن مثل هذا الإعلام يبقى محدود التأثير على الرأي العام وعلى تشكيل اتجاهاته، لكن الصحيح أيضاً ان هناك اعلاماً حراً له تأثير أوسع في تكوين اتجاهات الرأي العام، وعلى هذا الإعلام ان يحاذر استخدام هؤلاء الحزبيين بحجة انهم محلِّلون لأنهم بذلك يسممونه بدلاً من ان يكونوا في خدمته كسلطة رابعة.