بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيار 2018 12:25ص تقاسم قبل وبعد

حجم الخط
بعد خمسة أيام بالتمام والكمال يسدل الستار عن الاستحقاق الانتخابي، ويعود المرشحون الكبار إلى عرينه ومعه حصيلة المعركة الانتخابية من مرشحيه الذين فازوا في السباق، ليبدأ مرحلة الانتقال إلى السلطة، كل منهم على أساس حجمه وليس على أساس توقعاته قبل المعركة، غير انه بات من المؤكد ان هؤلاء الكبار أنفسهم يتقاسمون السلطة ويتوزعونها كالعادة فيما بينهم ولن يسمحوا بدخول أي غريب من خارج الطبقة الحاكمة يشاركهم حصد المكاسب والمغانم التي حولتهم إلى سلاطين فلسطين على الشعب المسكين عوضاً من ان يكونوا خداماً له ما داموا فازوا بصوته.
خلال الحملات الانتخابية التي سبقت المنازلة الكبرى كان هناك شبه إجماع بين المرشحين الكبار على شن الحرب على الفساد المعشش في كل دوائر الدولة، ومؤسساتها الرسمية، وعلى التعهد باجتثاثه من جذوره وتطهير الدولة من هذه الآفة التي لا مثيل لها إلا في لبنان.
ومن سخريات القدر ان يتجرأ هؤلاء أنفسهم وهم الذين يتربعون على الحكم منذ عشرات السنين، ويشكلون بسلوكهم وممارساتهم رأس حربة الفساد وانتشاره، حتى أصبح آفة المجتمع، ومصدر ويلاته وأزماته، وارتفاع المديونية العامة إلى درجات غير مسبوقة في كل دول العالم، وتفشي البطالة في صفوف القوى الشبابية الحيّة، وانتشار البؤس والعوز وانعدام الطبقة الوسطى من المجتمع، ويحدثونك عن الفساد ووجوب اقتلاعه.
ومن سخريات القدر أيضاً ان هذا الشعب الطيب، الغارق في ظلمات اليأس، يصدق ما يقولون، وسيذهب بعد خمسة أيام إلى صناديق الاقتراع ليصوت لمصلحة هؤلاء الكبار وبالأحرى هذه الطبقة الفاسدة والمفسدة، وبذلك يعطونهم براءة ذمة من قتلهم بدم بارد، ويولونهم أربع سنوات جديدة حتى يستمروا في الامعان بالفساد وامتصاص دم هذا الشعب بلا رادع ولا وازع من ضمير، مع علمهم المسبق بأن هذه الطبقة لن تغير أو تبدل من سلوكها، ومن طريقة عملها بل ستمعن في نهب المال العام، وفي توزيع الحصص والمغانم فيما بينها ولا تترك لهذا الشعب سوى الفتات.
مصيبة اللبنانيين انهم لم يتعلموا ولن يتعلموا من تجارب الماضي، والمصيبة الأكبر انهم تحولوا إلى عبيد عند هذه الطبقة ولم يتعلموا كيف يصبحوا أسياد أنفسهم بمعزل عن قانون الانتخاب الجائر الذي وضع لمصلحة هذه الطبقة ولتمكينها بالتالي من الفوز بأكثر قليل أو بأقل قليل من المقاعد النيابية التي حصدوها بفضل قانون الستين السيىء الذكر أو بقانون «البوسطة» كما اجمع اللبنانيون على تسميته.
والمصيبة الأكبر ان اللبنانيين يتأثرون بالخطاب الطائفي والمذهبي بشكل كبير، ما يحملهم على ان يتناسوا مأساتهم، وينقادوا وراء التجييش الذي تحسن هذه الطبقة استخدامه، ولم تتوانَ في حملاتها الانتخابية عن استخدامه بشكل واسع ونجحت في شد العصب الطائفي والمذهبي إلى حدود كبيرة، ما احبط القلة التي تصدت لهذه الطبقة ترشحاً وتوسمت في الشعب اللبناني الخير والتصميم على التغيير ولو في الحدود الضيقة التي يسمح بها القانون الذي فصلته هذه الطبقة الفاسدة على مقاسها.
الحماوة الانتخابية التي بلغت ذروتها قبل خمسة أيام من المنازلة الكبرى طبيعية، لكن الأمر غير الطبيعي هو ان يكون الشعار الرئيسي للكبار الذين يخوضون غمار هذه المعركة هو الفساد ومحاربته وغير الطبيعي أيضاً ان يصدقهم معظم اللبنانيين الذين ملأوا قبل الانتخابات الساحة العامة يطالبون بإسقاط هذه الطبقة.