بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيلول 2020 07:53ص «تقدم».. يسير «عَكس سَير» الأحزاب ضد السلطة

حجم الخط
إنها خطوة جريئة في ظل التراجع الدراماتيكي للأحزاب السياسية وإنفضاض الشباب عنهم، أن يتشكل من رحم إنتفاضة 17 تشرين حزب جديد بنكهة محدثة يريده المؤسسون على شاكلة أحزاب كبرى في الخارج.

حزب «تقدم» الذي يُعرف عن نفسه بأنه «حزب ديمقراطيّ تقدّميّ يعمل للعدالة الاجتماعيّة والتّنمية المستدامة»، ليس وحيدا في ساحات «الثورة» وإن كان أحدثها زمنيا بعد درس مليّ للمشرفين تلا بأسابيع قليلة إندلاع 17 تشرين التي إنخرط المؤسسون في ساحاتها ودعموها من دون كلل.

ربما لم تحقق الأحزاب التي سبقت هذا التاريخ أو تلته الكثير، ولعلها لم تجتذب المناصرين الكثر أو أنها لم تتمكن من الحفاظ عليهم، لكن إنجازها الأهم في الإنتفاضة الشعبية كان كسر هيبة السلطة وتدشين زمن جديد في ظل فوران إعلامي مواكب لعملية التغيير التي ستستغرق أجيالا وهو ما لا يعيب الإنتفاضة على طبقة سياسية متجذرة قوةً وطائفيةً وفساداً. 

«لسنا إيديولوجيين»

وعن سؤال السير «عكس سير» الأحزاب بينما كفرت أجيال متلاحقة كبيرة بها، يتوقف أحد المؤسسين، مارك ضو، طويلا عند فقدان الامل من الطبقة السياسية الحاكمة التي رفضت الاستجابة للإرادة الشعبية ما ولّد قناعة بتحويل الحالة الشعبية الى حالة سياسية لكي تخوض المعركة لمدى أطول في وجه تلك الطبقة.

بعد نقاش طويل حول الأدوات والآليات لمواجهة طويلة الأمد في ظل ثورة متشعبة جدا وغير منظمة حضرت فيها مئات المجموعات، كان من الأفضل الانتظام في أحزاب وبرامج سياسية واضحة ذات آليات لضمان التعددية الواسعة في الشارع، «وميزتا «تقدم» الأهم تتمثلان في تنوع الأفكار وبالتالي فهو حزب غير إيديولجي كما ديمقراطيته وتشاركيته في العمل، وهو ما انعكس على كيفية تنظيم الداخلي للحزب، وهي الميزة الثانية».

يريد ضو لتنوع حزبه الوليد أن يكون مشابها لأحزاب كبرى في الخارج ومنها مثلا «الحزب الديمقراطي» في الولايات المتحدة وحزب «العمال» في بريطانيا، لناحية المروحة التعددية الواسعة بين اليسار واليمين شرط الإنضواء في اطار تنظيمي واحد وشفاف وتشاركي وطبعا ديموقراطي.

هو لا ينفي المسار عكس التيار، ويدافع بشدة عن ذلك عبر التشديد على أن فشل تجربة الاحزاب السياسية في لبنان وعدم تطورها وسيطرة ميليشيات الحرب وهيمنتها على السلطة بأداء مافيوي نوعا ما، لا تعني فشل الفكرة والممارسة الحزبية التي تبنى على إرادة شعبية تساعد المواطنين اصحاب القرار على تطوير عملهم المشترك لتحسين الدولة التي يعيشون ضمنها.

لا يتوقف المؤسسون عند التجربة غير المكتملة لأحزاب سابقة كان لها فضل في محطات زمنية في توعية الناس في وجه السلطة مثل «سبعة» و«مواطنون ومواطنات في دولة» و«بيروت مدينتي» وغيرها، لكن الهدف اليوم يتمثل في تقديم تحديث ما على صعيد برنامج ووثيقة سياسية أكثر عمقاً مما قدمته أحزاب السلطة. 

وفي الشعارات والمبادىء التي رفعها هؤلاء الكثير مما يُغري: الدولة المدنيّة الضامنة لحقوق مواطنيها وبناء الثقة بالعمل السياسيّ الحزبيّ لتمكين المواطنة المسؤولة، والتشجيع على العمل التشاركيّ والتضامنيّ، ونشر ثقافة الديمقراطية، والشّفافية، والعدالة الاجتماعيّة، والمساواة، والوعي البيئيّ.

كما يستفيض المؤسسون في الحديث عن تفاصيل آلية إتخاذ القرارات في ظل إنعقاد دائم للجمعية العامة مع إستحداث التصويت الإلكتروني في عملية تحديثية من المفترض أن تضم الآلاف.  

نُخبوية المؤسسين؟

قد يأخذ البعض على مؤسسي الحزب الناشىء نخبوية أكاديمية، وهم ناشطون في المجتمع المدني والإنتفاضة مثل جاد شعبان وسمير فرح وحسام العيد ولوري هايتيان وسعيد فرنسيس ومارفين منذر ونزار رمال ونجاة صليبا وضو الذي يشرح طويلا هيكلية الحزب عبر لجنته التأسيسية من 12 عضوا، ومجموعات العمل المباشرة المناطقية أو التي تدور حول قضايا بيئية ونسوية وبلدية ومنها التي تعنى بالطاقة وغيرها.

وقبيل أسابيع قليلة على الذكرى الاولى لاندلاع الانتفاضة، يتوقف ضو عند إنجازاتها. فهي أقحمت مئات آلاف اللبنانيين في خضم الصراع السياسي في لبنان وخاصة المهمشين منهم. وطوّرت فيهم حس المشاركة السياسية كأفراد ومجموعات ممهدة تدريجيا لأحزاب جديدة ما يمثل نقلة نوعية كبيرة جدا في موازين القوى على صعيد الصراع على الساحة السياسية. كما حققت إختراقات كبيرة في كسر «التابو» السياسي القائم وذلك المتعلق بالزعماء ما يمثل تحولا كبيرا. «وتمكنا من تفكيك البنية الحزبية لكثير من الأحزاب التقليدية وصولا الى حالات نزوح جماعية منها. كما قدمنا وجهات نظر سياسية بات الداخل وحتى المجتمع الدولي يعترف بها وليس إسقاط سد بسري ومعمل سلعاتا سوى مثالين حديثين لذلك، ناهيك عن فضح الكثير من الملفات وطبعا إسقاط حكومتين..». 

أمام كل ذلك، ثمة من يشير الى نجاح جزئي لمجموعات وشخصيات الحراك، «لكن في ظل تمكننا من الوصول الى مرحلة زمنية نعيد فيها تزخيم المواجهات السياسية مع تمثيل شرائح شعبية كبيرة، يمكننا القول إننا تخطينا هذا التوصيف» يقول ضو.

لكن ماذا عن العثرات؟

يُقر القيادي في «تقدم» بفشلٍ في طرح البدائل لسلطة مُنتفض عليها، كما المشاريع السياسية على صعيد الاصلاح والمال وعلى صعيد قوانين الإنتخاب، وذلك نتيجة الافتقاد الى مؤسسات واضحة البرامج وعدم قدرة الثورة على بلورة خطاب سياسي متكامل على مستوى التحديات المطروحة اليوم. أي يمعنى آخر، فإن «الثورة» طرحت الافكار والعناوين، ولكنها لم تتعمق لإنتاج سياسات وبرامج. 

على أن القضية الأساس تبقى في إنقسام تلك المجموعات والشخصيات، رغم التوافق على حكومة مستقلة، يضيف ضو عليها الحاجة الى هيئة مستقلة للانتخابات بإشراف دولي في حال تعذر تشكيل تلك الحكومة.

وهو يعتبر أن وحدة تلك المجموعات من أجل التوحيد يعد مشروعا فاشلا وبديله الفرز لعدد من المشاريع المتجانسة سياسيا ضمن تعددية موجودة في الثورة ديمقراطيا، على أن تتلاقى هذه المشاريع على نقاط مشتركة لخوض المعركة من منطلقات واضحة تتم الموافقة عليها. 

لكن تحول دون هذا الامر إختلافات في الرؤى حول بعض القضايا مثل شكل الاقتصاد اللبناني ودور الدولة، ومثل إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي، اضافة الى النظرة الى إتفاق الطائف وسؤال النظام العلماني، كما على صعيد ماهية السياسة الخارجية والدفاع والعلاقات مع الدول الخارجية وطبعا سلاح حزب الله وترسيم الحدود.. 

التغيير والعلاقة مع الخارج

نحن مع فتح حوار مباشر مع كل من يريد مساعدة لبنان ويهمه إستقراره وفك الحصار من قبل السلطة الحاكمة على الشعب. هكذا يلخص ضو الرؤية الى العلاقة مع الخارج، علما أن الحزب حضر عبر هايتيان في لقاء مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد شينكر «فما نقوله في العلن نقوله في السر». 

وتكمن المفارقة أن المؤسسين ينتظرون تشكل الحكومة الجديدة لينالوا الرخصة لعملهم من قبل وزارة الداخلية، من دون توقع أن يتم الأمر سريعا. وهم يؤكدون أن لا مفر للتغيير سوى عبر الإنتقال التدريجي للسلطة مع الانتخابات أو مع حكومة مستقلة ذات صلاحيات تشريعية مع علمهم بصعوبة الأمر.