بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 تشرين الثاني 2019 12:00ص تمسّك بعبدا بحكومة التكنوسياسية يقطع طريق الحوار ويسرِّع في المواجهة

بعدما عَطّلت الجلسة التشريعية: الثورة تسجّل مزيداً من الإنتصارات

حجم الخط

موقف رئيس الجمهورية الصادر من قصر بعبدا حول شكل الحكومة الجديدة  وردّ «بيت الوسط» عليه، فسّره المراقبون طلاق بين الطرفين

بعد إنقضاء أكثر من شهر على ثورة التغيير التي أطلقها الشعب اللبناني، لا يزال رئيس الجمهورية القابع في قصر بعبدا، يمانع في الاستجابة لمطالب الثوار والتي اختصرها كخطوة أولى بتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ونظافة الكف، تعيد الثقة المفقودة بينهم وبين تلك المنظومة السياسية التي توالت على الحكم منذ ثلاثين سنة، وأوصلت الأوضاع في البلاد إلى الحالة المزرية التي يتخبّط بها على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، فبدلا من أن ينزل رئيس الجمهورية من عليائه ويتلقّف مطالب الثوار استمرّ في العناد والإصرار على المضي في السياسات التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن.

وفي الوقت الذي يمضي فيه الثوار في تسجيل الانتصار الآخر على السلطة الحاكمة يطلُّ رئيس الجمهورية عليه بإعلان تمسّكه بحكومة سياسية مطعّمة باختصاصيين سبق للثوار الذين يملأون الساحات العامة في كل لبنان من شماله إلى جنوبه ومن جبله إلى بقاعه إلى ساحله أن رفضها، وحذّر من مغبة الإصرار عليها لأنها في حال أصرّ عليها، لا تطفئ شرارة الثورة المتمادية بقدر ما تزيدها اشتعالاً.

كلام رئيس الجمهورية عن حكومة التكنوسياسية الذي أبلغه إلى المنسق الخاص للأمم المتحدة السيد يان كوبيش قطع الطريق على كل المساعي الداخلية والخارجية التي تعمل على ضبط الأمور، من خلال التوصّل إلى تسوية تكون مقبولة من الشارع الثائر على فشل السلطة الحاكمة، ونقلها إلى مواجهة حتمية مفتوحة على كل الاحتمالات, كما نقلت مصادر دبلوماسية عن المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غداة اجتماعه برئيس الجمهورية للمرة الرابعة أو الخامسة بعد إنطلاق الثورة، ونصحه بضرورة الاستجابة لمطالب الثوار بدءاً من الإسراع في تشكيل الحكومة التي يطالبون بها، ويعتبرونها الممر الوحيد لإنهاء الثورة وإعادة النّاس إلى منازلهم.

هذا الموقف المعادي والمعاند الذي اتخذه رئيس الجمهورية من الثوار جعلهم يصعّدون في ثورتهم، ولا يزال المشهد الذي تجلّى في ساحة النجمة وأدّى إلى تعطيل الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب ماثلاً في أذهان أرباب هذه السلطة، وكان يفترض أن يكون حافزاً لهم وعبّرة تحملهم على الاستجابة لمطالب الثوار بدلاً من المضي في سياسات التحدّي والكيدية والمكابرة وسد الأذان لعدم سماع أصوات الجماهير الثائرة التي تطالب بالدولة العادلة والقادرة التي لا تفسدها تلك السلطة التي أوصلت الأمور إلى أسوأ ما يكون من التردّي والانهيار، وهو نفسه، حمل رئيس الحكومة المستقيل إلى أن يتمسّك أكثر بموقفه الرافض لترؤس أية حكومة، شبيهة بالحكومة المستقيلة، ويدعو رئيس الجمهورية الى ضرورة التعاطي بواقعية مع الحراك الشعبي، وإلى أن يستغرب حال الإنكار التي يعتمدها البعض ويقصد بهذا البعض رئيس الجمهورية ومن يجاريه في هذه السياسة المعاندة لإرادة الشعب اللبناني، التي أدّت إلى وضع لبنان كلّه في المجهول، بدلاً من التعاطي معها بواقعية بوضعها قوة على الأرض لا يُمكن تجاهلها. وشدّد الرئيس الحريري في ردّه على رسالة رئيس الجمهورية على ان بداية الوصول إلى الحل الذي يؤدّي إلى تحريك الوضع السياسي والحكومي يبدأ بتحديد موعد الاستشارات النيابية للتكليف والاستعجال في تشكيل حكومة يرضى عليها الثوار وتفتح الباب المعقول للدخول في الحلول الأخرى التي من شأنها أن تنقذ البلاد، لأن الأمور في نظره تتجه اقتصادياً ومالياً نحو ظروف أصعب وأصعب مما هي عليه الآن.

المراقبون لمسار الاتصالات الجارية بين كل الأطراف السياسية لتجاوز الأزمة التي يتخبّط بها البلد منذ شهر ونيّف فسّرت الموقف الذي أطلقه رئيس الجمهورية من قصر بعبدا حول شكل الحكومة الجديدة ورد لـ «بيت الوسط» عليه بأنه إعلان الطلاق بين القصرين، والانتقال من مرحلة التسوية إلى مرحلة المواجهة الحتمية المفتوحة على كل الاحتمالات السيئة، وإنطلاقاً من هذا الاحتمال يتحدث مطّلعون عن سيناريو أعدّه رئيس الجمهورية وتجمع قوى الممانعة أي قوى 8 آذار، ويقضي هذا السيناريو بأن يوجّه رئيس الجمهورية الدعوة إلى استشارات نيابية لتشكيل الحكومة الجديدة، يتمُّ في خلالها ترك خيار تسمية رئيسها من نواب التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي ومن يدور في فلكهم من نواب فريق 8 آذار وهم يشكّلون الأكثرية النيابية لرئيس الجمهورية، فيما يسمّي الباقون وهم فريق 14 آذار، والحريري، وعندما يبلغ رئيس الجمهورية الرئيس الحريري بنتيجة الاستشارات، فيضعه آنذاك أمام الأمر الواقع، فإما أن يقبل بحكومة التكنوسياسية المقترحة من قبله وإلا فإنه يجيّر أصوات النواب الذين تركوا التسمية في عهدته إلى شخصية سنيَّة أخرى لتشكيل حكومة جديدة بقوة الدستور، وبصرف النظر عن صحة هذا السيناريو وعدم صحته، إلا انه يكشف بشكل صريح عن النيّات المبيتة لفريق 8 آذار ومعه رئاسة الجمهورية والتي لا تتطابق مع بيدر الشعب الثائر في وجه الفساد والمفسدين، وفي وجه كل المنظومة السياسية والذي أثبت من خلال تمكينه من تعطيل الجلسة التشريعية انه قادر على قطع الطريق على استكمال سيناريو القصر الجمهوري اللاواقعي.