يصادف العاشر من كانون الاول اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يدخل عامه السبعين هذا العام. وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام ١٩٤8 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يعتبر الإعلان العالمي وثيقة تاريخية أعلنت حقوقا غير قابلة للتصرف حيث يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان- بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره.
يتفاخر لبنان دوماً بأنه شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،عبر شارل مالك بصفته رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة آنذاك. إلا أنّ لبنان أخفق بتنفيذ عدد من الإلتزامات الاممية ونجح في أخرى.
يمكننا القول منذ نهاية العام الفائت وفي هذا العام، بأنّ لبنان قد نجح من ناحية في إقرار بعض القوانين التي تعتبر مهمة ونذكر منها تجريم التعذيب، وإقرار قانون حق الوصول الى المعلومات، وقانون إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والتي تتضمن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وإلغاء المادة ٥٢٢ من قانون العقوبات التي تحمي المغتصب من العقاب.
لا شك أن ذلك يعد إنجازاً مهماً يضاف إليه تعيين وزير لشؤون حقوق الانسان ووزير لشؤون المرأًة ووزير لشؤون النازحين في الحكومة التي ألّفت نهاية العام المنصرم. وبالإضافة لذلك، قدم لبنان بعض التقارير الوطنية الى الهيئات الاممية بعد تأخر عدة سنوات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ التقرير الاولي الى لجنة مناهضة التعذيب والتقرير الدوري إلى لجنة حقوق الأنسان فيما خص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لكن لا بد من الوقوف على إنتقادات المنظمات الحقوقية لبعض تلك القوانين والتقاريرالوطنية التي قدمت إلى اللجان المختصة في الأمم المتحدة.
نبدأ بقانون تجريم التعذيب الذي أقرّ في أيلول الماضي، فهو يعد أول قانون لتجريم فعل التعذيب الذي يمارس بغرض إنتزاع الإعترافات تحت الاكراه وسيفسح للضحايا طريقا للإنصاف من خلال إمكانية التعويض والحق في إعادة التأهيل، والاهم من ذلك، معاقبة ممارسي التعذيب وعدم الإعتداد بالاعترافات التي أنتزعته بفعله.
عدد من المنظمات الحقوقية التي تعنى بمناهضة التعذيب انتقدت بعض عيوب هذا القانون. كتعريف التعذيب الذي لم يكن مطابقاً لإتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب، والعقوبة التي لا تتناسب مع جسامة الجرم على اعتبار هاجنحة؛ أي أقصاها ثلاث سنوات. وفي حال أفضى فعل التعذيب إﻟﻰ اﻟﻤﻮت أو إﻟﻰ ﺧﻠﻞ أو ﻋﻄﻞ ﺟﺴﺪي أو ﻋﻘﻠﻲ داﺋﻢ أو ﻣﺆﻗﺖ، فتعتبرعندئذ جناية.
ومن ناحية إقرار قانون إنشاء المؤسسة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان، التي تتضمن الآلية الوقائية الوطنية أواخر العام الماضي، حيث سيكون للبنان هيئتين أساسيتين مستقلتين من المفترض أن تسعيا لحماية وتعزيز حقوق الإنسان. على أن تضم الهيئة الوطنية عشرة أعضاء يتم اختيارهم من السلك القضائي والأكاديمي والأطباء والمحامين وأعضاء المجتمع المدني.
ولكن ما يلفت النظر أنه إلى الآن لم يتم تعيين أعضاء هذه المؤسسة الوطنية لأسباب تعزا إلى عدم تخصيص موازنة لها وما بدأ التهامس حوله بأن هؤلاء الأعضاء قد يتم إختيارهم تبعأللمحاصصة الطائفية.
ومن ناحية تقديم التقارير الدورية، لا سيما التقرير الأولي الذي قدم إلى لجنة مناهضة التعذيب والتقرير الدوري الذي قدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بعد تأخير ١٥ سنة لكل منهما، كان هنالك نقص واضح في الوقائع الملموسة والاحصائيات التي كانت ستعزز دور الدولة في تنفيذ هاتين الاتفاقيتين أثناء إستعراضهما. فما تم ملاحظته من ناحية التقاريرالتي قدمت، كان أكثر منها عبارة عن تعداد للايجابيات التي كانت فقط نظرية لناحية ذكر بعض المواد التشريعية التي جلها لا يطبق. فهنالك عدد كثير من المواد في القوانين اللبنانية التي تراعي حقوق الانسان ولكن العيب يكون في بعض الاحيان في تطبيق هذه المواد.
خلاصة القول إنّ حقوق الانسان هي حقوق مقدسة ومنبثقة من ثقافة المجتمع الأصيلة، قبل أن تكون بنودا صادرة عن الامم المتحدة. وإحترامها واجب أخلاقي قبل أن يكون قانوني، بدءاً من الفرد وصولاً إلى الجهات الأمنية والقضائية. أما حفظها وحمايتها فضرورة يجب ألا تتأثر بأية ظروف وتحت أية مسميات؛ استثنائية أو أمنية، أو ضرورات مكافحة الإرهاب. وعلينا جميعا كلبنانيين أن ثمّن لوطننا قيامه بعدة خطوات إيجابية في هذا المجال. لكن يبقى الأهم، وهو وجود نية حقيقية لتعزيز وتكريس ثقافة حقوق الانسان لدى جميع أفراد المجتمع.
* ممثل وباحث قانوني في مؤسسة الكرامة - جنيف