بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 شباط 2021 12:14ص «حكومة قوس قزح».. أول نيسان وزراء لبنان بالألوان؟!

حجم الخط
بما أن المكتوب يُقرأ عادة من عنوانه، بحسب المتعارف عليه، وباعتبار أن أول نيسان هو بالنسبة للكثيرين من النّاس «كذبة بريئة» تتداول ما بين البعض منذ سنوات عديدة، قد يسأل سائل: لماذا اخترت هذا التاريخ بالتحديد لكي أبني عليه وأتخايل أو أحلم بأن الأوّل من نيسان المقبل سيشكل محطة لا بل نقلة نوعية في هذا البلد لتشكيل حكومة اخصائيين أو مهمة، تكنوسياسية، عسكرية، من اقتصاديين، إنما أولاً وأخيراً، اسمها: «حكومة».
طبعاً، لست من المبصّرين أو المنجمين أو الذين يتوقعون ويحللون ويرمون توقعاتهم وتحليلاتهم جزافاً هنا وهناك لكي يشغلوا الناس بهم وبعبقريتهم وتميزهم عن باقي البشر، لا سيما انني لا أؤمن على الإطلاق، لا بل أكره التبصير والتنجيم بكل حيثياته وخلفياته من أي جهة أتى  ولأي جهة كان. لذلك وبعد تردّد وصراع مع الذات والتفكير ربما سأحاول رسم صورة تشبيهية لا بل «كاريكاتورية» لحكومة مضى في لبنان على تكليف سعد الحريري بتشكيلها منذ ما يقارب 4 أشهر ونيف دون أن يتمكن حتى الآن من إتمام هذه المهمة وإبصارها للنور في ظل الخلافات والتشنجات والمهاترات والسباب والشتائم والبيانات والتغريدات والاتهامات المتبادلة بين من يفترض بهم ان يكونوا على قدر المسؤولية والعزم، في بلد نهشته ونخرته سوسة الفساد حتى العظم، ولم تُبقِ فيه لا «لحماً ولا عظماً» فسرق المسؤولون والحكام والسياسيون الفاسدون فيه خيرات البلد وأموال الناس وودائعهم وهربوا الأموال بمليارات الدولارات الى الخارج، تاركين هذا البلد يواجه قدره ومصيره المحتوم كما شعبه الطيب المسكين الذي «لا ناقة له ولا جمل»، الا أن القيمين على شؤونه وشجونه هم من يديرون دفة الأمور في البلد وهم من أولئك الطارئين على عالم الأخلاق والقيم والسياسة والأمانة والمسؤولية بكل ما للكلمة من معنى.
الكل ينتظر الكل، والكل يهاجم الكل، في حين ان البعض يدافع عن البعض من حزبه أو تياره أو زعيمه أو طائفته أو مذهبه، بينما معظم اللبنانيين ينتظرون تصاعد الدخان الأبيض وإبصار الحكومة العتيدة النور، لكن دون جدوى ودون أن يأتي الانتظار الطويل بثماره حتى الآن. وعندما تسأل أحداً من أولئك السياسيين والمسؤولين: لماذا تقدمون على ما تقدمون عليه من سجالات وخلافات وسباب وشتائم؟ يأتيك الجواب سريعاً وكأنه يأتي «من وراء البحار»: هم البادئون، ثم يأتيك ردّ من الطرف الآخر: لا، هو كان البادئ، نحن نريد الحصة الفلانية في الوزارة الجديدة ونتمسك بالحقيبة الفلانية، كما واننا نريد الثلث المعطل، ثم يأتيك نفي من الطرف الأول والقول: نحن لدينا كتلة برلمانية تخولنا الحصول على عدد معين من الوزراء والحقائب، وهكذا دواليك، فيما المواطن يدفع الثمن غالياً من أعصابه وصحته وحياته ومعيشته يوماً بعد يوم، والدولار بات يتخطى عتبة التسعة آلاف ليرة وما يزيد عن ذلك «والخير لقدام»! وهذا ما سيولد انعكاسات اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية جمة على حياة اللبنانيين جميعاً من دون استثناء، دون ان ننسى ان وباء كورونا «يزيد في الطين بلة» ويجرف في طريقه الأخضر واليابس دون رحمة أو تمييز، على أمل ان يكون اللقاح الذي وصل الى لبنان مؤخراً قد بدأ يسهم في الحد من الإصابات والوفيات لهذا الوباء الخطير من خلال الوقاية الصحية في بلد باتت الوقاية فيه معدومة على مختلف الصعد، لا سيما الاقتصادية والمالية والنقدية والحياتية والسياسية «والله ينجينا من الاعظم».
البعض ينتظر إعادة التواصل بين الولايات المتحدة وطهران على صعيد الاتفاق النووي، والبعض الآخر ينتظر زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبعضهم أيضاً ينتظر نتائج التحرك الروسي المستجد تجاه لبنان، وايضاً وأيضاً ينتظر آخرون مبادرة خليجية ما في ظل جولات الرئيس سعد الحريري إلى بعض دول الخليج (دون السعودية حتى الآن). ومن خلال الزيارة الأخيرة لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر إلى لبنان، ومن خلال عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت بعد ان طال غيابه عنها. أما كيف ومتى ولماذا سيحصل ذلك؟ فلا أجوبة أو مؤشرات أو حتى بصيص نور يلوح في الأفق للوصول الى الهدف المنشود بشأن حلحلة الوضع الحكومي في لبنان.
صحيح ان المبادرة الفرنسية برعاية الرئيس ماكرون وتوجيهاته لا تزال على النار، حتى ولو كانت النار بطيئة، وصحيح أيضاً ان الاتصال الهاتفي الأوّل بين الرئيسين ماكرون وبايدن أتى على ذكر لبنان ولو من باب الصدفة أو عن قصد، وحصل الرئيس الفرنسي من الرئيس الأميركي على ضوء أخضر للسير قدماً بمبادرته تجاه لبنان، كما وانه صحيح أيضاً ان جميع دول العالم باتت تنظر إلى لبنان بعين «الشفقة والرحمة» على ما تبقى منه، الا انه ما يجعلنا نخجل ونضيق ذرعاً من كل المبادرات والتدخلات والاتصالات الاقليمية والدولية الجارية بالعلن أو من وراء الكواليس تدفعنا للسؤال مجدداً: إلى متى ستبقى تلك الدول الفاعلة إقليميا ودوليا تهتم بالشأن اللبناني وبشؤون وشجون هذا البلد، في حين ان مسؤوليه وسياسييه وحكامه يحاولون ضربه في الصميم بخناجرهم «المسمومة» وبسياساتهم الفاسدة وبطرقهم الملتوية ربما عن قصد أو عن غير قصد، الا ان النتيجة واحدة وهي ان لبنان بات على شفير الهاوية وشعبه بات يُعاني الأمرين على مختلف الصعد: اقتصادياً، ومالياً، ومعيشياً، وحياتياً، وصحياً، واجتماعياً، ونفسياً... والحبل على الجرار.
قالها الرئيس الحريري من على منصة قصر بعبدا، كما في ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، «وبق البحصة» الا أن هذه البحصة يبدو انها واحدة من عدّة «بحصات» لم «يبقها» حتى الآن ولا نعرف لماذا، خاصة عندما قال ان رئيس الجمهورية اعطاه مسودة تشكيلة حكومية بالالوان، تتضمن أسماء وزراء مقترحين مع توزيع بعض الحقائب، وتقسيم مفصل للحصص والحقائب والمغانم.
بربكم، سأعود وأكرر السؤال مجدداً، مَن المسؤول عن كل ما يجري في هذا السياق وإلى متى ستستمر هذه «المهزلة» وهذه الجريمة بحق الوطن والمواطن اللبناني من قبل حكامه ومسؤوليه وسياسييه الذين لا همّ لهم الا اقتسام الحصص والمغانم والسيطرة والنفوذ والاستقواء على بعضهم البعض، فيما يتبين بوضوح انهم هم الضعفاء تجاه معالجة ما يحصل في هذا البلد.
أما الكذبة الكبيرة التي تشبه كذبة أول نيسان ان الحكومة التي ستشكل هي من الاخصائيين أو حكومة مهمة ولفترة محدودة، بالله عليكم هل يصدق أحد انه عندما يقترح أي من المسؤولين أو الاحزاب أو التيارات السياسية أو الحزبية أسماء معينة لتمثلها في الحكومة الجديدة أنهم سيكونون من الاخصائيين فعلاً؟ وهل يُمكن لأولئك الوزراء المقترحين معارضة من سمّاهم وأتى بهم الى الوزارة، وبالتالي أياً تكن تلك الصورة التذكارية التي ستتخذ بعد تشكيل الحكومة بالالوان أو بالابيض والأسود، لا همّ، إنما الأهم أين تكمن المصداقية مع اللبنانيين كل اللبنانيين، وإذا كانت البداية «كذبة ما بعدها كذبة» بأنها ستكون حكومة اخصائيين محض، فكيف السبيل لاقناع النّاس بأن مثل تلك الحكومة «بدها تشيل الزير من البير» والكل منا يعرف «البير وغطاه».
اذن، لا بدّ ان ننتظر أول نيسان لتكتمل كذبة الحكومة العتيدة مع كذبة أول نيسان، والله ينجينا من كل كذبة وكذاب. أما لماذا حكومة الـ«قوس قزح» وبالالوان، فإليكم موجز مختصر، الرئيس بايدن أعطى ضوءاً أخضر للرئيس ماكرون، والسعودية تضيء الضوء الأصفر وتقف متريثة تجاه الوضع في لبنان، وتشكيل حكومة من السياسيين أو غير الاخصائيين هو خط أحمر، وإذا كان تاريخ المسؤولين والسياسيين في هذا البلد بات أسودَ، وإذا كان القرار الأول والأخير بالنسبة للبنان والمنطقة يتوقف على البيت الأبيض، وإذا كان الرئيس عون أعطى الرئيس المكلف أسماء تشكيلة بالالوان، وإذا كان... وإذا كان وعلى حدّ حكايات جداتنا في الصغر التي تبدأ «كان يا ما كان في قديم الزمان...»، لذلك فإن أكثر ما نخشاه ان نصل يوماً ما لنقول لابنائنا وأحفادنا: «كان يا ما كان بلد اسمه لبنان» مع إضافة عبارة من سرقوه ودمروه ومحوه عن الخارطة هم صغار صغار لن يدخلوا التاريخ هم وعائلاتهم وزوجاتهم وأبنائهم واحفادهم الا من باب ضيق جداً سيحكي حكاياتهم عمّا اقترفته أياديهم تجاه بلد الأرز وأهله الطيبين، وان أول نيسان لناظره قريب، فهل تكون هناك حكومة «قوس قزح» وبالألوان؟!