بيروت - لبنان

5 آذار 2020 07:59ص حيلة خادعة لإخفاء الفشل الرئاسي والإنقلاب على تداعيات الإنتفاضة الشعبية

«التيار العوني» يَقنُص ملف النفط ويلقي بمسؤولية الأزمة المالية على خصومه السياسيين

حجم الخط
ظهر الفريق الرئاسي بقدّه وقديده، سياسياً واعلامياً لاقتناص مناسبة المباشرة بعمليات الحفر لاستكشاف النفط والغاز، وحاول بكل طاقته فصلها عن مكونات الأزمة الثقيلة المتعددة الجوانب، سياسياً واقتصادياً ومالياً وتوصيفها «بالانجاز» الكبير للعهد المتهالك، وبأنها من نتاج الممارسة السياسية «الباهرة» للتيار العوني خلال مشاركته بالسلطة طوال العقد الماضي، ولكنه في الوقت نفسه تجاهل أدوار ومساهمات باقي الأطراف السياسيين في التوصّل إلى هذا «الانجاز» المجهول النتائج حتى الساعة، وساعياً بكل طاقته للتملص من تبعات وتداعيات الأزمة الحالية، وملقياً بمسؤولياتها على «الارث الثقيل» والسياسات التي اتبعت خلال الثلاثين سنة الماضية.

فكيف يحاول هذا الفريق التوفيق بين قدرته على تحقيق «الانجاز» في الملف النفطي، فيما يتملص من أعباء الأزمة الاقتصادية المتدحرجة نحو الأسوأ على خصومه السياسيين ويتجاهل مسؤوليته عن الفشل الذريع في ملف الكهرباء الذي ما يزال يمسك بمقدراته كلها بالرغم من كل الانتقادات والنقمة الشعبية ضده؟

هذا الأداء الانتهازي الممجوج والازدواجية في مقاربة الملفات المطروحة، إنما يعبّران عن إنفصام في الأداء السياسي والسلطوي لم يشهد له لبنان مثيلاً من قبل، ومحاولة مكشوفة لقلب الوقائع رأساً على عقب، وتصوير الفشل نجاحاً، فيما يرزح المواطن تحت وطأة الانهيار المتسارع للوضع الاقتصادي والمعيشي على نحو غير مسبوق، فيما تبدو المعالجات المطروحة عديمة الجدوى وليست على قياس الأزمة القائمة.

ولا تبدو الأعذار والحجج التي يبديها الفريق الرئاسي للتهرب من الأزمة الاقتصادية مقنعة أو حتى مقبولة، مهما تفنن في تسويقها سياسياً واعلامياً أو حتى التلطي وراء ما يدعيه بالصلاحيات المحددة لرئيس الجمهورية أو إلقاء تبعاتها على الأطراف المشاركين بالسلطة طوال المرحلة الماضية.

التذرع بالصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية سقط بالضربة القاضية عند اقتناص مناسبة الملف النفطي ومحاولة تجييره للرئاسة الأولى



فهذه الحجج سقطت بالضربة القاضية لدى اقتناص مناسبة الملف النفطي ومحاولة تجييره لصالح «إنجازات» الرئاسة الأولى المعدومة أساساً، لأن السؤال المطروح، هو هل كانت صلاحيات الرئيس تمكنّه في التحكم بملف النفط لوحده دون سائر الملفات المطروحة على اختلافها؟

فهذه الذرائع لم تعد تنطلي على أحد والتهرب من مسؤولية الأزمة الاقتصادية لا يلغي ممارسة سياسة التشفّي والتعطيل والاستفزاز التي انتهجها «التيار العوني» بفريقه الرئاسي طوال السنوات الثلاث المنصرمة لأنها ممهورة بتصرفات وبصمات الفريق الرئاسي بالصوت والصورة معاً.

فأسلوب تقسيم الأزمة المتعددة الجوانب ومحاولة اقتناص ما يصور «إنجازاً» في ملف النفط مثلاً والتهرب من تحمل مسؤولية باقي مكونات الأزمة مالياً واقتصادياً واجتماعياً والتعامي المطلق عمّا تسببت به سياسة الانحياز للتحالفات والمحاور الإقليمية ولا سيما المحور الإيراني- السوري مقابل معاداة الدول العربية الشقيقة وتجاهل مترتبات استمرار تفلت سلاح «حزب الله» الموجه دوماً للتسلط السياسي الداخلي وترهيب اللبنانيين والاستئثار بمقدرات الدولة اللبنانية، هذا الاسلوب لم يعد ينطلي على اللبنانيين ولا على الدول الشقيقة والصديقة، لأنه اصبح مكشوفاً ولا يُمكن تغطيته أو الالتفاف عليه بعدما تسبب بجزء كبير من الأزمة الحالية وبات مطبقاً على الدولة كلها ويهدد بتداعيات غير محسوبة إذا بقي الأمر على حاله.

لم يعد التلطي وراء «السياسات التي اعتمدت خلال ثلاثين سنة الماضية» مقنعاً لتبرئة العهد من التسبب بالأزمة الحالية والتهرب من مسؤولياتها. فهذا الشعار المفبرك والممجوج والذي روجه «الفريق الرئاسي» لمهاجمة فريق الرئيس سعد الحريري بعد استقالة الحكومة السابقة أصبح ساقطاً وفي مخيلة وخطاب «التيار العوني» فقط بعدما فشل العهد في تنفيذ الحد الأدنى من سبل الوعود والشعارات الوهمية البراقة التي اسقطتها الانتفاضة بالشارع ولم يعد مجدياً التمنطق بها والتهجم على الخصوم بمحتواها أو تجاهل مطالب الفئات الشعبية بالتغيير السياسي وتحقيق الأمن الاجتماعي والمعيشي.

فمحاولات التقلب والانقلاب والتلون التي ينتهجها «التيار العوني» بفريقه السلطوي من خلال الملف النفطي هذه المرة، إنما تعبّر عن أعلى درجات الخداع السياسي التي يمثلها «التيار» في ممارساته للرأي العام ومحاولة للاستخفاف بعقول اللبنانيين وقلب الوقائع رأساً على عقب وممارسة الغش السياسي، لاستيعاب الانعكاسات السلبية التي تسببت بها الانتفاضة الشعبية ضد «التيار الوطني الحر»، والالتفاف على كل المتغيّرات والنتائج المعاكسة وكأن شيئاً لم يحصل وكل الشعارات والمطالب المطروحة غير معترف بها واحتجاجات المنتفضين ستذهب سدى، في حين ان حجم الاعتراضات تزداد في كل مكونات المجتمع بعد الفشل الذريع في الاستماع إلى مطالب النّاس والمباشرة فعلياً بالاهتمام وتنفيذ هذه المطالب بالسرعة الممكنة تحاشياً لانتفاضة لا يُمكن استيعاب تداعياتها مستقبلاً.