بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2020 12:02ص خبير أميركي: توقعات حول سياسة بايدن في الشرق الأوسط

حجم الخط
تابعت القيادات السياسية ووسائل الاعلام في العالم، وخصوصاً في دول الشرق الاوسط باهتمام بالغ مسار الانتخابات  الرئاسية الاميركية، وذلك انطلاقاً من حرصها لاستطلاع ما يمكن ان يطرأ من متغيرات في الخيارات والسياسات التي ستتبعها الولايات المتحدة في السنوات الاربع المقبلة، في حال فشل الرئيس دونالد ترامب في الفوز وتجديد ولايته او في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، والذي سبق له ان شغل منصب نائب الرئيس في ظل رئاسة باراك اوباما.

كان من الطبيعي بعد اعلان نتائج فرز الاصوات في الولايات المتحدة واعلان حصول بايدن على اكثرية اصوات المجمع الانتخابي ان تتوجه الانظار نحو استطلاع آراء عدد من خبراء السياسة الخارجية الاميركية والمتخصصين في شؤون الشرق الاوسط وفي مختلف ازماته المزمنة والحديثة.

ذهبنا في هذه العملية الاستشرافية لإعادة تقييم الاهداف والاستراتيجيات التي ستتبعها الادارة الديمقراطية بقيادة الرئيس بايدن الى ديبلوماسي اميركي، متخصص في الشأن اللبناني وشؤون المنطقة، سبق له ان شارك في عهود سابقة، وخصوصاً في ظل ولاية الرئيس اوباما في جهود حثيثة لحل عدد من الازمات المستعصية على الحل منذ عقود، ولعب الدور الابرز كممثل للولايات المتحدة في عمليات البحث عن مخارج وحلول لهذه الازمات.

يسرنا ان نعرض لقراء جريدة «اللواء» موجزاً عن قراءته لأهداف وسياسات واستراتيجيات الادارة الاميركية الجديدة، وذلك انطلاقاً من معرفته العميقة وخيراته الطويلة في السياسة الاميركية الخارجية، وخصوصاً في عهد الرئيس الديمقراطي اوباما، ونائب الرئيس بايدن.

يقول هذا الديبلوماسي بأنه يعتقد بأن اول ما ستقوم به الادارة بقيادة بايدن اجراء عملية تقييم للاهداف الاميركية والاستراتيجية التي ستتبعها في الشرق الاوسط في التركيز على عدد من الاولويات الاقليمية الاتية:

1 - الانتشار العسكري الاميركي في المنطقة

 من الطبيعي ان ينظر الرئيس بايدن بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة الاميركية كأولوية تتقدم على كل القضايا الرئيسية الاخرى. فالقوات الاميركية تنتشر في العراق وشرق سوريا وفي عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي تركيا، ويتطلب انتشار هذه القوات في كل من العراق وسوريا اجراء مراجعة سريعة لسياسة الولايات المتحدة تجاه هاتين الدولتين.

في العراق يميل هذا الديبلوماسي للاعتقاد بأن ادارة بايدن ستذهب نحو مزيد من الاجراءات لزيادة المساعدات اللازمة لتقوية القوات المسلحة العراقية، وفي دعم جهود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الكثيفة لمحاربة الفساد الذي يبدد كل القدرات الضخمة التي يملكها العراق.

اما في شرق سوريا، فمن المرشح ان تلجأ الادارة الجديدة، وبمشاركة الحلفاء الى تقوية التحالف الغربي الموجود حالياً، من اجل فرض الاستقرار في هذه المنطقة وتأمين الارضية اللازمة لإعادة الاعمار، ومنع قوات النظام وحلفائها من القيام بأية اختراقات عسكرية لهذه المنطقة االحيوية والغنية بالنفط والغاز، وتشكل منطقة شرق سوريا نقطة ثقل في أية مفاوضات تقودها الامم المتحدة للبحث عن حل سياسي لأزمة سوريا.

يعتقد الديبلوماسي الاميركي ايضاً بأن ادارة بايدن ستجري تقييماً شاملاً لانتشار القوات لبحرية والجوية والبرية في منطقة الخليج، للتأكد من مدى ملائمتها للاهداف والمهمات العسكرية اللازمة وفق الاستراتيجية الاميركية الجديدة.

2 - العلاقات مع ايران:

من المؤكد بأن ادارة بايدن ستكون منفتحة على امكانية العودة الى الاتفاقية النووية مع ايران، وذلك بالتعاون مع الحلفاء لتقوية الشروط والضوابط المفروضة على البرنامج النووي الاميركي بموجب اتفاقية عام 2015. يمكن ان تعرض الادارة الاميركية تخفيضاً للعقوبات المفروضة، خلال فترة انتقالية محددة من اجل تشجيع ايران على الالتزام الكلي بكل الضوابط المفروضة عليها. لكن لا بدّ من التساؤل عن مدى قابلية ادارة بايدن لاتباع نهج ادارة اوباما وميلها للتساهل مع ايران  في محاولة فرض هيمنتها للسيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن. من المؤكد ان ايران هي بأمس الحاجة للحفاظ على الاتفاقية النووية وبالتالي تخفيض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.وينصبّ الاهتمام على توجه ادارة بايدن للضغط على ايران للحد من طموحاتها الاقليمية، وذلك على عكس التساهل الذي اعتمدته ادارة اوباما.

3 - الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي

من المرجح جداً ان تعود ادارة بايدن الى المقاربة التقليدية للولايات المتحدة، والتي تدعو الى تحقيق حل الدولتين، وتوافق الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على شروط تحقيق هذا الحل.

ولكن لا يمكن توقع ان تعكس ادارة بايدن القرار الذي اتخذه ترامب بنقل السفارة الاميركية الى القدس، او معارضة موجة التطبيع التي بدأها ترامب بين اسرائيل والدول العربية.

في هذا السياق، لا يمكن توقع انخراط ادارة بايدن في استعادة الديبلوماسية النشطة لإحياء عملية السلام التي انطلقت من مؤتمر مدريد. ستنظر الادارة الجديدة الى مدى توافر نوع من الحياة والقدرة على التفاعل في القيادة الفلسطينية، قبل اعتمادم اية مقاربة جديدة للديبلوماسية الاميركية للتفاعل ايجابياً مع الفلسطينيين. وستبذل ادارة بايدن كل الجهود الممكنة للحفاظ على العلاقات الوثيقة مع اسرائيل، كما ستعمل على بناء علاقات الثقة بين الرئيس وبين القيادات الاسرائيلية.

من المتوقع ان تجري مقاربة مع الفلسطينيين وبدء نوع من الحوار مع القيادات مع احتمال اعادة فتح قنصلية اميركية عامة في رام الله.

4 - المملكة العربية السعودية.

من المؤكد ان هناك مصالح هامة وحيوية بين المملكة والولايات المتحدة وهي  جديرة بالاهتمام للحفاظ عليها كمصالح متبادلة ومتوازنة بين البلدين، وسيستدعي ذلك قيام ادارة بايدن اجراء مراجعة سياسية شاملة  لهذه العلاقات. لكن لا يمكن القفز او غض النظر عن قضية قتل  جمال خاشقجي في تركيا، كما انه لا يمكن تجاهل والموافقة على الاعمال الفظيعة التي ترتكب في اليمن، وضرورة انهاء الحرب هناك.

من المهم ان المصالح المشتركة تفرض ان يصل الطرفان الى علاقات مشتركة قوية ومتوازنة. لكن لا تقع مسؤولية تحقيق ذلك على ادارة بايدن وحدها وخياراتها وحساباتها السياسية، بل وايضا على السلوكية للقيادة السعودية الساعية الى الحفاظ على علاقات مشتركة قوية ومتوازنة.

5 - سوريا

من المرجح ان تجد ادارة بايدن نفسها بمتابعة عدد من السياسات التي اعتمدتها ادارة ترامب تجاه الاوضاع في سوريا، سواء في ما يعود لمساندة مشروع وجود مرحلة انتقالية للحكم او لجهة معارضة تمويل اعادة اعمار سوريا في ظل وجود نظام بشار الاسد.

لن يكون مستبعدا ان تنظر ادارة بايدن بجدية الى سجل جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، التي ارتكبها نظام بشار الاسد، ومن ضمنها الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية في سوريا، لا بد من التساؤل عن مدى قابلية ادارة بايدن استعمال القوة العسكرية المحدودة لحماية المدنيين السوريين ومنع حصول مجازر جديدة.

6 - مصر

لا يتوقع ان يبقى الرئيس السيسي الحليف المفضل للولايات المتحدة وللرئيس الاميركي. من المؤكد ان ادارة بايدن ستجهد للحفاظ على علاقات وثيقة، وان تستمر في علاقات التعاون مع القاهرة، وذلك انطلاقا من الاعتقاد الراسخ بأن استمرار وجود مثل هذه العلاقات يساهم بشكل قوي في تحقيق الاستقرار الاقليمي العام. لكن تمثل عمليات القمع مؤشرا على اللاشرعية السياسية، ووسيلة لدفع الجماعات المتطرفة لارتكاب المزيد من اعمال العنف. لن تذهب ادارة بايدن الى تسويق مشروع ديمقراطي على غرار ما فعلته ادارة بوش الابن، ولكن من المتوقع ان تلجأ الى حوار هادئ مع القيادة المصرية من اجل وقف كل عمليات الاضطهاد والحد من الحريات او انتهاك حقوق الانسان.

7 - لبنان

من المتوقع ان لا تختلف توجهات ادارة بايدن للتعاون مع لبنان عن القاعدة العامة في التعامل مع سوريا، وبالتالي متابعة السياسة التي اعتمدتها ادارة ترامب. يجب ان يكون معلوماً بأن النظر الى لبنان كضحية لممارسات الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة، ودور حزب الله كقوة مهيمنة على البلاد ليس موضوعاً للنقاش بين النخب السياسية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويبقى من المتوقع ان تبقى ادارة بايدن على العلاقات الايجابية والوثيقة مع الجيش اللبناني، وان تستمر في الجهود الراهنة لحل الخلافات في الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وان تسعى فعلياً لمساعدة لبنان من ازمته الاقتصادي الخطيرة. لكن وعلى غرار الموقف من سوريا، فإن الادارة ستعتبر بأن تقديم المساعدات المطلوبة لا يمكن تقديمها للطبقة السياسية الراهنة في لبنان، حيث ستكون مضيعة للاموال وللوقت وغير مجدية لانقاذ الاقتصاد وعودة التوازن والازدهار للبنان.

يبدو بوضوح من هذه القراءة الواقعية للخطوط الكبرى للسياسة الخارجية الاميركية التي ستعتمدها ادارة الرئيس بايدن بأن واقعية وخبرة الرئيس الجديد تشجع على الاعتقاد باعتماد سياسة خارجية واقعية وتقليدية، وبما يساعد على قيام علاقات اميركية - عربية مستقرة، مع سعي حثيث لاحتواء طموحات الهيمنة الايرانية، مع الحؤول دون حصول المزيد من التمدد التركي.

اما حل الازمات الاقليمية الكبرى فإنه يبقى مرهوناً بمدى نجاح ادارة بايدن على التعاون مع القوى الكبرى كالصين وروسيا.