بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الأول 2019 12:00ص رسالة إلى قضاة لبنان

حجم الخط
إذا لم نساعد أنفسنا، أولاً، فلا جدوى من مساعدة الأشقاء والأصدقاء لنا. نقول ذلك لا لأننا نرفض المساعدات وإنما لأن هذه المساعدات – إن أتت – ستشكل عبئاً مادياً وأخلاقياً يضاف إلى الأعباء التي ننوء تحتها ما لم يتم أستثمارها في عملية الأنقاذ والنهوض على أسس أقتصادية جديدة وسليمة بدلاً من تبديدها هنا وهنالك.

ونقطة البداية في مساعدة أنفسنا تكمن في إمتلاك القدرة على أستعادة المال الذي نهبته الطبقة الحاكمة وشبكاتها المعروفة بطرق «قانونية» أو إحتيالية. وإذا لم نعتمد هذه الخطوة الأولية ونسير في دربها الصعب فعبثاً يبني البناؤون.

والمفتاح الذي يفتح هذه الطريق – بعد فشل السياسة والسياسيين – هو بيد القضاء اللبناني أو بالأحرى بيد قضاة يعرفون معنى الحفاظ على الملكية، ويعرفون معنى العدالة، ويتمتعون بالجرأة والتصميم - كما العديد من أسلافهم الكبار – على إنقاذ بلدهم من الحالة المأساوية التي وصل إليها بسبب عبث السلطة وفسادها. ونقول ذلك أيضاً لأن القضاة يملكون وحدهم الحق في إصدار الأحكام بأسم الشعب اللبناني ضد كل من تثبت أدانته. وكما نعرف جميعاً فلدى القضاة وأمامهم وفي أدراجهم عشرات الملفات المتعلقة بالفساد، بعضها قديم، وبعضها حديث، وبعضها يتكوّن اليوم جهاراً نهاراً، وكأن شمس العدالة قد غابت تماماً عن البلد الذي يباهي بأنه بلد الحرف والشرائع والأنسان.

ولعل أهم هذه الملفات التي تحرق بلظاها المواطن اليوم هي الملفات المتصلة بالعصبة المالية المصرفية التي تتقن فن السحب والتحويل، وتعصر أموال اللبنانيين عصراً، وتستغل نفوذها لخرق القانون، ومعه الدستور، خدمة لأغراضها وتنصلاً من مسؤولياتها تجاه أموال ومدخرات اللبنانيين..

وفي هذا الأطار لا يريد المواطن المسحوق تصريحات او محاضرات – على أهميتها وضرورتها – وإنما يريد أحكاماً عادلة تحاسب الفاسدين الذين يثبت ضلوعهم في سرقة أو هدر المال العام... أحكاماً تخاطب مطالب الانتفاضة الشعبية المباركة، وتتجاوب مع القَسَم القضائي... أحكاماً تتلاءم مع ضرورة إنقاذ البلاد من شريعة الغاب، والأنامل المخملية المزيفة، فضلاً عن نعرات الأستقواء المالي ولوثة المال الحرام. وعلى ما نعتقد – ومن حقنا كما غيرنا أن نجتهد – فأنه عند صدور بعض الأحكام وإنجلاء الأمر عن تصميم على سلوك هذا الدرب الصعب ترتعد فرائص كل من استهزأ بكرامة المجتمع اللبناني وإستباح الأموال والودائع والأمانات. حينها يتسابق الذين أكتنزوا الفضة والذهب، إحتيالاً وعدواناً، إلى دق الأبواب والتماس الأعذار ورد الأموال إلى الخزينة المنهوبة والمصارف المسلوبة فتتعافى الأوضاع تدريجاً ليس على جبهة الأقتصاد وحده وإنما أيضاً على سائر الجبهات، لأن سر الفساد في لبنان ليس الجشع وحده، وإنما يقين جماعة الفساد – حتى اللحظة – أنهم بمأمن من كل عقوبة في بلد ليس فيه من يحاكم او يحاسب.

حينها وحينها فقط تشرق صورة لبنان الجديدة : لبنان المساءلة والمحاسبة فنطمئن إلى استقبال وإستثمار المساعدات، لا بل نطمئن إلى ورود الأكثر منها. فليس أقسى على المانح من أن يرى منحته تخيب وتتسرب الى جيوب المتنفذين الفاسدين، وليس أفضل عنده من أن يرى منحته تصيب وتساهم في إطلاق المشاريع وتحريك عجلة الأنتاج مدركاّ في كل لحظة أنه سيخضع لاحقاً للمساءلة والمحاسبة عن كل مبلغ يتم صرفه أو تسليفه أو التبرع به.