بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 شباط 2020 12:19ص رسالة مفتوحة إلى الرئيس حسّان دياب

حجم الخط
دولة الرئيس،

في حين يتطلّع اللبنانيّون الى خارطة عمل ترتكز الى حاجاتهم وهمومهم المعيشية والاجتماعية والإنسانية، يتواتر الحديث عن قرارات صعبة سوف تطالهم في لقمة عيشهم، وهي مبنيّة على توصيات الاستشاري «ماكينزي» التي اشرتم اليها في بيانكم الوزاري، والتي نصحت بالمزيد من تحرير رأس المال والخصخصة، وخفض رواتب وأجور القطاع العام، وخفض الدعم على الكهرباء والبنزين، وانتهاج سبل النموّ عبر الاستدانة من خلال «سيدر»، وفرض إجراءات ضريبية إضافية وغيرها من الإجراءات التي تُثقل كاهل المواطنين.

دولة الرئيس، نلفِتُ عنايتكم الى عددٍ من البنود الاساسية التي يُمكن اعتمادها لإصلاح الوضع المالي العام ولو جزئياً دون المساس بلقمة المواطن وارهاقه بالمزيد من الضرائب، بدءاً من تجفيف مزاريب الهدر ويليها ترشيد النفقات ثم زيادة الواردات، ما يسمح بتحسين حالة المالية العامة واعادة عجلة التنمية الاقتصادية إلى حالة الدوران:

أوّلاً، تقويض التهرب الضريبي الذي يخسر الدولة ما يقارب ٤ مليارات دولار سنوياً من أبواب رئيسيّة عدة أهمّها التهرّب من ضريبة الدخل، والضريبة على القيمة المضافة، ورسوم الجمارك وضريبة الملكيّة. وأحد اهم إجراءات مكافحة التهرب الضريبي يتمثل بربط بيانات القطاع المصرفي بالدوائر الضريبية المختلفة والهيئات والإدارات العامة. امّا في ملف الكهرباء، فيمكن اعتماد نظام دفع مسبّق للكهرباء عبر العدّادات الذكيّة، ما يُساهم في زيادة المداخيل ونسبة التحصيل.

ثانياً، تضييق نطاق القطاع العام والغاء المؤسسات غير المنتجة التي تكبد الخزينة خسائر بملايين الدولارات سنوياً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يكلّف الدولة ٤٢ مليار ليرة سنوياً كالمؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية؛ والمؤسسة الوطنية للاستخدام؛ والمديرية العامة للبريد؛ ومصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، وغيرها.

ثالثاً، تقليص الدعم المالي للهيئات والشركات والمشاريع والجمعيات غير الفاعلة التي تكبد الخزينة خسائر بعشرات ملايين الدولارات سنوياً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يكلّف الدولة ١٣٧ مليار ليرة سنوياً كهيئة قطاع البترول؛ والمجلس الأعلى للخصخصة؛ ومؤسسة «اليسار»؛ ومشروع تعزيز قدرات مجلس الوزراء؛ اضافةً الى المدارس الخاصة المجانية الممولة من الدولة سنوياً، والمليارات التي تصرف من وزارات الشؤون الاجتماعية والرياضة والشباب والثقافة وغيرها، على الجمعيات الوهمية المتعاقدة معها.

رابعاً، تقليص بدلات إيجارات الوزارات وكلفة صيانتها البالغة أكثر من ٦٠ مليون دولار، والاستعاضة عنها ببناء مجمع خاص بالوزارات تملكه الدولة. وهناك مبانٍ مستأجرة بالرغم من انها مهجورة وغير صالحة للاستعمال كالمبنى التابع للجامعة اللبنانية في المنصورية الذي تدفع الدولة حوالى ١٧٩ مليون ليرة سنوياً بدل ايجار له، ومبنى وزارة الاشغال العامة في الشياح. كما يُمكن تقليص بدل ايجار مبنى «الاسكوا» البالغ ١٥ مليار ليرة سنوياً،  كذلك الامر بالنسبة الى مبنى منظّمة «الفاو» المستأجر بقيمة ٦٠٠ مليون ليرة سنوياً. 

دولة الرئيس، فيما خصّ ترشيد الاِنفاق يمكن تقليص المدفوعات والنفقات التالية: أوّلاً، خفض النفقات الاستهلاكية؛ ونفقات المفروشات والتجهيزات والانشاءات والصيانة؛ ونفقات التنقّل والوفود والتمثيل؛ واحتياطي الموازنة؛ اضافةً الى الغاء تدوير الاعتمادات غير المعقودة والاعتمادات المعقودة التي لم تترتب عليها حقوق للغير أو تلك التي لم يبدأ تنفيذها. كذلك يمكن للدولة ان تخفض النفقات السرية للأجهزة الأمنية والتي تلامس ٥٠ مليار ليرة سنوياً.

ثانياً، خفض كلفة الدين العام، بالتعاون مع مصرف لبنان والمصارف التجارية وكبار المودعين، المرتفعة بسبب سعر فائدة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية المتزايد نسبياً، لأنه من واجب القطاع المصرفي ان يساهم في حل أزمة لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية عبر خفض معدلات الفائدة المدفوعة للبنوك، على عكس الاتجاه المعهود لزيادتها. وفي السياق، يُمكن الاتفاق مع المصارف لقبول سندات خزينة بصفر فائدة لفترة زمنية وطلب فترة سماح على ديونها.

ثالثاً، فيما خصّ موظفي القطاع العام ينبغي وقف التعيين الا في حالات الضرورة القصوى وعلى اساس الجدارة والاستحقاق، بالتوازي مع إعادة توزيع وتقليص عدد موظفي القطاع العام وتقليص عدد موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارات. وتكون البداية عند الموظفين الذين دخلوا ملاك الدولة خلال فترة الانتخابات النيابيّة عام ٢٠١٨ والبالغ عددهم نحو ثلاثين ألف موظّف. 

فالدولة اللبنانية تشكو من تضخم كبير في عدد العاملين في إداراتها نتيجة التوظيف السياسي العشوائي في الوزارات والإدارات، وقد وصلت كلفة الأجور في العام ٢٠١٩ ما يُقارب ٥ مليارات ليرة لبنانية. ومن الأمثلة عن التوظيف السياسي موظفو مصلحة سكك الحديد المتوقفة منذ العام ١٩٧٥؛ وهيئة قطاع البترول التي أنشأت منذ عام ٢٠١٢ بالرغم ان مشوار لبنان النفطي ما زال طويلاً؛ وكذلك موظفو منشآت ومصفاة النفط في طرابلس المتوقفة عن العمل منذ أربعة عقود والبالغ عددهم ٥٠٠ موظّف، قد يفوق تعويض نهاية الخدمة لبعضهم المليار ليرة.

دولة الرئيس، إنّ مكافحة الفساد المالي والإداري واسترجاع المال العام المنهوب يتطلّب عدداً من القوانين والآليات لتتبّع الاموال المنهوبة في لبنان والخارج وإعادتها الى خزينة الدولة، ما يتطلّب وقتاً طويلاً. والى حين جهوزية أُطُر مكافحة الفساد هذه، لا بدّ من فرض حجز احتياطي للأموال المنقولة وغير المنقولة لكل شخصية شغلت او تشغل موقعاً عاماً وتحوم حولها شبهات الفساد، والّا استمرّت سرقة اموال اللبنانيّين وخزينة الدّولة دون رقيب او رادع.

لقد قُلتم في مقدّمة بيانكُم الوزاري أنّكم ومجلس النّواب «نواجه اعتراضاً شعبياً لا تنفع المكابرة في التعاطي معه»، واردفتُم أنّ «استعادة الثقة مسار طويل يتطلب مصارحة الناس بالحقيقة ويحتاج إلى إنجازات ملموسة»، والحقيقة أنّ الوضع الاقتصادي اللبناني لم يَعد يحتمل المعالجات العشوائية المؤقتة، ولا يُمكن اللجوء الى زيادة الأعباء الضريبيّة على اللبنانيّين، فيما تستمرّ سرقة المال العام وهدرِه لمصلحة المدعومين سياسياً أو المتنفذين. 

لم يعد ممكناً تجاهل مطالب المحتجين حتّى لا يؤدي ذلك الى المزيد من النقمة لدى الشعب الموجوع، الذي ينتظر منكم خطوات إنقاذية فعليّة كي تحصلوا على ثقته، بصفته مصدر السّلطات والحَكَم واليه دائماً الاحتكام.

وفّقكم الله وهداكم الى ما هو خيرٌ للوطن.