الثورة دخلت اسبوعها الرابع، واستقالة الحكومة دخلت اسبوعها الثاني، والمشهد لا يزال على حاله، لم يتغيّر ولم يتبدل قيد أنملة، وكأن هناك من يصمّم على كسر هذه الثورة، أو الذهاب نحو المجهول. أما آن الأوان بعد لأن تستجيب هذه السلطة القابعة داخل الغرف السوداء، وترحل عن المشهد العام؟ إن كل المؤشرات تدل حتى الآن، على العكس، فهذه السلطة ما زالت تراهن على تعب الثوار وخروجهم من الشارع، ليبقوا هم متربعين على عروشهم، يمضون في امتصاص دم الشعب، وفي استغلاله، واذلاله باسم الطائفية أحياناً وباسم الديمقراطية أحياناً أخرى، وباسم المؤامرة الخارجية وانحراف الثورة عن خطها الصحيح والسليم في كل حين.
لا شيء يدل على عكس ذلك، ولا يوجد أي سبب مقنع للتأخير في الاستجابة لمطالب هذا الشعب وهي مطالب بسيطة ومحقة، فهو لا يطلب المستحيل، فعندما ينادي بحكومة اختصاصيين فإنه يطالب بأبسط حقوقه المشروعة، وعندما يقول بانتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون انتخابات خارج القيد الطائفي، فإنما يفعل ذلك بعدما فقد الثقة بالنواب الذين لم يعودوا يمثلونه، فلماذا إذن هذا الإصرار على تجاهل هذا الشعب، والامعان في قهره وإذلاله أحياناً بإسم الدستور الذي لم يحترموا نصوصه، وأحياناً باسم الوكالة التي أعطاهم إياها هذا الشعب.
الحكومة استقالت، بعد ما سحبت منها الثقة في الشارع، وقد مضى على استقالتها أكثر من أسبوع، ولم يُبادر رئيس الجمهورية بعد إلى إجراءالاستشارات النيابية الملزمة لتكليف من تسميه الأكثرية بتشكيل حكومة جديدة، والحجة المعلن عنها، هي لتجنب الوقوع في أزمة التأليف، فبئس هذه الحجة التي تخفي وراءها عقلاً جهنمياً هدفه إجهاض الثورة، وتيئيس أهلها، لكن الثورة مستمرة، والساحات تشهد مزيداً من الثوار ومزيداً من الاصرار على التغيير، أي على تغيير هذه السلطة «كلن يعني كلن». فيا أرباب السلطة القابعين داخل الغرف السوداء، كفى مناورات وتلفيق شائعات واتهامات، كفى تلاعباً بالوقت، وكفى التفافاً على هذا الشعب الذي قال كلمته ومشى متخطياً كل العوائق الطائفية والحزبية والمناطقية، لأنه صاحب حق، سرقتموه عنوة منه، في التغيير، وصاحب أحقية في أن يتحمل المسؤولية العامة، من موقعه كمصدر لكل السلطات، هو من يختار ومن يُقرّر. بل كفى هذا التضليل الواهي، وهذا الامعان في التسلط والسيطرة، لقد آن أوان الرحيل وسوف تندمون على عنادكم، يوم لا يعود ينفع الندم. وأنتم يا ثوار لبنان، يا من ملأتم الساحات وتجاوزتم عقدة الخوف، وكل العقد الأخرى، لا تغرنَّكم بعض الأصوات التي ترتفع بين الحين والآخر تدعي تأييدها لثورتكم، والتزامها بالأهداف التي رفضتموها، لأنها أصوات كاذبة وتهدف إلى تخليكم عن ثورتكم هذه، لتعودوا إلى السجن الكبير الذي سجنوكم فيه تحت عناوين طائفية ومذهبية ومناطقية وحزبية، بعد أن خرجتم من هذا القفص، واستعدتم حريتكم وجاهرتم بالحق الذي حرمتم منه على مدى عشرات السنين حتى وصلتم إلى الحالة المزرية التي أنتم فيها الآن. وكانت السبب في إطلاق شرارة الثورة التي تضيئون شعلتها، والتي يجب أن لا تنطفئ الا بعد أن تحقق كل أهدافها، في التغيير وقيام دولة الشعب، ومن أجل الشعب الذي هو مصدر كل السلطات.