بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الثاني 2019 12:04ص «سبعة».. حزب مدني يُصارِع «تقليديّة» السُلطة

ثوار حزب «سبعة» يحشدون ثوار حزب «سبعة» يحشدون
حجم الخط
يُمثل «حزب سبعة» مرآة للظروف كما للبيئة التي خرج من رحمها منذ تأسيسه قبل نيف وسنوات ثلاث.

هو شأنه شأن أحزاب كثيرة عبر التاريخ، ومنها في لبنان، ولد نتيجة تراكم جهود تيارات عديدة، هذه المرة برزت في صيف العام 2015 تحت عنوان الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد في وجه فضيحة النفايات والتي لم تكتب لها النهاية المرجوة.

وإذا كانت تلك التحركات لم تحقق أهدافها نتيجة عوامل عديدة لعل أهمها محاصرة أهل سلطة الطوائف لها، فإنها تركت الأثر الكافي لتمهد لانتفاضة 17 تشرين الأول الماضي. قبل سنوات أربع، سمع اللبنانيون للمرة الأولى بتيارات مدنية مطلبية مثل «طلعت ريحتكن» و«الشعب يريد إصلاح النظام» وغيرها، إضافة الى شرائح شعبية لا تنتمي الى أحزاب وتيارات نزلت الى الشارع صارخة في وجه السلطة شكلت الأساس في تشكيل سبعة.

التأسيس والإنطلاقة 

كان من الضروري تأطير تلك الحركات ضمن حزب سياسي جامع وشرعي ومنظم قادر على التخطيط وتقديم رؤية لا تضيع معها جهود الناشطين في الشارع. هكذا تلخص الأمينة العام للحزب، غادة عيد، فكرة «سبعة»، برغم علم القيمين عليه بـ«توجس اللبنانيين من فكرة الأحزاب واقترانها بالميليشوية». 

جمع الحزب منذ تأسيسه مجموعات اجتماعية وطائفية مختلفة، وتوحد ضمنه أصحاب توجهات سياسية متعددة تركوا أحزابهم التقليدية التي تشكل السلطة، ومنهم «مستقبليون» سابقون و«كتائبيون» و«عونيون» و«أمليون».. رفضوا الأحزاب التقليدية وانضموا الى «سبعة»، الإسم غير التقليدي الذي اختير نسبة الى علامة النصر. وكان المؤسسون من الحراك المدني الذين قرروا بعد جلسات ونقاشات مطولة، تأسيس ذلك الحزب السياسي على حساب حركات مدنية قدمت المطلوب منها في لحظة سياسية معينة ثم بات لزاما على القيمين عليها الانتظام في حزب جامع.

يؤكد المؤسسون على عصرية حزبهم وحداثته، وكان لافتا الحضور الشبابي الكبير فيه، بدا الأمر واضحا عبر البصمة التي تركها هؤلاء في حملة «بروباغندا» كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي كما عبر الإعلام، جاءت إيجابية في اجتذاب المنتسبين والمؤيدين.

يطيل هؤلاء في شرح «وسطية» حزبهم ورفضه لقوالب استقطابات 8 و14 آذار، ويشددون على ان هذا الامر دفع بالآلاف الى تأييدهم.. من دون الدخول في العدد الدقيق للمنتسبين، علما ان الحزب يستطيع تجيير المئات في نشاطاته على الارض وقد كان لافتا تمكنه من خرق الندوة البرلمانية عبر النائب بولا يعقوبيان.

يفتخر الحزبيون بأنهم يمارسون ديموقراطية داخلية وتداولا للسلطة. وقد وقف الحزب موحدا في وجه «فوقية» تعاطت من خلالها يعقوبيان ضده، كما يقول مؤسسون، بعد وقت قليل على نيابتها. سارع الحزب الى فصل يعقوبيان بعد أن اعتقد انها تبتعد عنه وتجنح بعيدا في فرديتها، إثر محاولات كبيرة لرأب الصدع معها.

كان ذلك ضروريا لحزب فتي لكي يتجاوز المطب الأول من نوعه بعد أشهر على انتخابات نيابية خاضها «بشجاعة». وتدليلا على تمسكه بتداول السلطة، انتخب الحزب جاد داغر أمينا عاما أول له، ثم قام بانتخاب عيد من بعده علما بأن في استطاعة الامين العام التجديد لولاية ثانية حسب النظام الداخلي.

إحتلال المجلس!

كان للحزب بصمة في كل التحركات التي سبقت انتفاضة 17 تشرين، ولعله أول من نزل الى الشارع في الفترة القليلة التي سبقت الانتفاضة.

والواقع ان الحزب كان ماهرا في اقتناص المناسبات لمحاولة إيذاء السلطة. «كنا لوحدنا في الايام التي سبقت الثورة»، تقول عيد التي تتوقف طويلا أمام واقعة لا يشير إليها كثيرون. «في الايام التي سبقت الثورة، عندما نزلنا الى ساحة رياض الصلح، فوجئنا بمسيرات لدراجات نارية قدمت من الضاحية الجنوبية، إعتقدنا للوهلة الأولى ان القادمين يريدون اختراقنا وإفشال تحركاتنا، لكن الحال كشف ان المتقاطعين معنا في أهدافنا جاؤوا فعلا من الضاحية، وهو أمر أبهج صدورنا ولم يكن غريبا بعد ذلك ان تلك الشرائح قد خرجت في النبطية وصور».

إبتكار «سبعة» لوسائل الضغط على السلطة كان مميزا عندما قام بعمل غير تقليدي قبل أيام من الانتفاضة. لقد اخترق أعضاء الحزب المجلس النيابي. شكل ذلك حدثا غريبا. حزب مدني يخترق برلمانا محصنا بدروع طائفية ومذهبية متينة. ومهما كان مما شاب تلك الحركة، فإنها شكلت نقطة مضيئة لسبعة وللمجتمع المدني. وكانت الخدعة بسيطة، فبحجة دخول المجلس النيابي لإقامة ندوة فيه، أعلن أعضاء سبعة احتلال البرلمان واستولوا على مقاعد النواب ومعهم رئيس المجلس باعتبارها تعود الى الشعب اللبناني! 

تمويل الخارج؟

وُجهت الى الحزب مرارا اتهامات بتمويل خارجي وحتى تنفيذ أجندات خارجية. تنفي عيد هذا الامر مطلقا، وبينما تقول إن الحزب لا يخفي مدخوله، ترد باتهام معاكس للأحزاب بافتعال تلك الاتهامات كونها لا ترتاح لحزب جديد ومدني يدخل الساحة بقوة ويرفع مطالب يشترك فيها مع الشعب اللبناني. 

لكن من الواضح أن الحزب يواجه صعوبة كبيرة في معركته في وجه السلطة وبعض الأحزاب، كما يواجه تحديا في استقطاب الشارع المشترك مع بعض المجموعات في الحراك المدني، وتؤكد عيد على قدرة سبعة على تجيير المئات على الأرض، بينما لا يستطيع البعض إرسال عشرات الناشطين إلى الساحات.

لكنها تنظر الى الموضوع بشموليته، والمعركة تعد جد كبيرة في الوقت الحالي مع السلطة. وقد اشترك سبعة مع المجموعات المختلفة في الحراك في الدعوة الى إسقاط الحكومة، وهو ما تحقق، ومن ثم تشكيل حكومة اختصاصيين أكفاء لمرحلة انتقالية تمهد لما هو أهم: قانون جديد ومدني للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي.

عيد: قطعنا طرقات!

كان من الملاحظ بعد مرحلة وجيزة من اندلاع الانتفاضة، وبعد أن كانت المبادرة في يد حراكيي ساحتي رياض الصلح والشهداء، أن تسلمت بعض الأحزاب والتيارات المخاصمة للعهد زمام الأمور ورسمت معالم المرحلة الحالية من الحراك حتى بدا ان أصحابه الأصليين قد فقدوا المبادرة.

تؤكد عيد تعليقا على هذا الأمر، ان من الطبيعي لجمهور الاحزاب المشاركة في الحراك، «وقد رأينا كيف تمرد البعض على أحزابه»، مقدمة علاء أبو فخر «شهيدا حيا على هذا الأمر».

على أن تورط تلك الاحزاب في الحراك جعله ينحرف في أحيان كثيرة عن أساليبه ولعل قطع الطرقات يعد مثالا صارخا على ذلك. لا ترفض عيد بالمطلق تلك الاساليب، والواقع ان بعض حراكيي وسط بيروت يوافقونها على ذلك.

بالنسبة الى وجهة النظر هذه، فإن بعض المحطات المفصلية تتطلب مثل هذه الأساليب. «لقد شاركت شخصيا في قطع طريق جل الديب»، تقول عيد التي تكمل: لكن ليس علينا اعتماد الأمر كقاعدة، ذلك ان أساليب كقطع الطرقات يجب ان تكون محددة المدة.

لكن إلى أين من هنا في ظل المراوحة السياسية وعقم الحلول؟ وهل ستُسلم السلطة بهذه السهولة؟

تشدد عيد على ان الحراك جاء نتيجة مجهود تراكمي وليس وليد اللحظة، ولم يتوقع أحد التفجر الشعبي الذي حصل «والواقع اننا دخلنا في مرحلة إفلاس حقيقية لا يمكن السكوت عليها».

هو حكم التاريخ بالنسبة سبعة. لا عودة الى الوراء حسبهم. يراهنون على الوقت لكي تعلن السلطة خضوعها واستسلامها لإرادة الشعب. «هي ثورتنا التي ستنتصر»، تقول عيد طارحة أسئلة في المقابل: إلى متى ستصمد السلطة؟ كيف ستواجه حكم الشعب؟ ما هي أدواتها في الأصل؟ لسنا نحن من يوجه إلينا سؤال الصمود، فالسلطة ليست لديها مقومات للحياة.

وتختم عيد «لم تنتصر سلطة يوما على شعبها. وما يحدث اليوم لن يشكل الإستثناء».