بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تشرين الثاني 2019 06:04ص سياسيون لا يقيمون وزناً للحقائق المحيطة ويتحلَّلون من أي مسؤولية وطنية أو أخلاقية

واشنطن لا تنحو صوب تغيير جَذري في المنطقة وإنكفاؤها زاد في توسُّّع النفوذ الإيراني

حجم الخط

ليس من طريقة أفضل من قطع الطريق البري من طهران إلى بيروت من إشغال لبنان والعراق في سلسلة من القلاقل


تعتقد جهة ديبلوماسية أوروبية انه من غير المستطاع فصل ما يجري من دينامية شعبية في لبنان عن تلك التي تحدث في العراق، إنطلاقا من ربط الساحات، أميركيا وإيرانيا، هو نوع من أنواع الكباش الحاصل الممهد لحوار بين الدولتين، هذا إن لم يكن الحوار قد إنطلق في الأصل، فيما الدولتان المتصارعتان تستخدمان الشارعين اللبناني والعراقي في سياق تجميع أوراق الضغط.

يتقاطع هذا الموقف الأوروبي مع تقرير بحثي يشير الى أن البيئة الإقليمية أمّنت فرصا وظروفا تسمح بممارسة مزيد من الضغوط الأميركية على النفوذ الايراني في المنطقة، بما يتيح توظيف سياسة واشنطن ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، أي تعديل سلوك إيران، علما ان إحدى أوراق المناورة المهمة في حوزتها واستراتيجيتها لمواجهة التحديات التي فرضتها الولايات المتحدة، تكمن خصوصا في تغلغلها الإقليمي الذي يتزايد يوما بعد يوم على تخومها، وخارج حدودها، مما خوّلها أن تؤدي أدوارا متقدمة في موازاة ضغوط واشنطن، ودفع عواصم القرار الأخرى، وتحديدا الأوروبية، إلى مقاربة حذرة للمسألة الإيرانية.

إذ إن طهران تعتقد أن النفوذ الاقليمي ينقل المعركة خارج حدودها، ويمنحها القدرة على توسيع نطاق المواجهة من دون أن تضطر الى تحمّل مسؤولية مباشرة عن أي مواجهة في الإقليم. كما منحها هذا النفوذ الاقليمي الأدوات اللازمة لمواجهة اشتداد العزلة الدولية عليها، عبر مناطق النفوذ العسكري في عدد من النقاط البرية والبحرية الشرق أوسطية وعند البحر الأحمر وباب المندب ونحو جنوب شرق آسيا، إضافة إلى وجودها في الخليج العربي، الذي يعد ورقة مهمة لتقليل احتمالات استهدافها.

وضعت واشنطن خطة مواجهة هذا التمدد الإيراني من خلال:

أ-تبنّي استراتيجية الضغوط القصوى عليه في الداخل (سياسة عصر إيران) عبر تشديد العقوبات بما يؤمن حصول إنفجار شعبي في وجهه، يتخطى بأشواط الثورة الخضراء التي أطاح بها الحرس الثوري وفرض السجن أو الإقامة الجبرية على قادتها. وسيؤثر هذا الإلهاء الداخلي على مواقف النظام كي يقبل التفاوض وفق الاجندة الأميركية التي تركز على أمرين إثنين: الصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي وعلاقة طهران بالميليشيات المسلحة، مما سينتج حكما تأثيرا سلبيا في دورها الإقليمي؛

ب-وفي الخارج، عبر قطع الطريق البري من طهران الى بيروت، وهو الإنجاز الأكبر الذي تتباهى به طهران وحرسها. وليس من طريقة لتحقيق هذا الغرض أفضل من إشغال لبنان والعراق في سلسلة من القلاقل، أدت الى استقالة الحكومتين، وإن لظروف لا تتشابه أو تتقاطع، والى حشر حزب الله في بيروت وجعله أسير معادلة جديدة بحثا عن استقرار، بما يحول دون أن يتفرّغ لخدمة مصالح إيران في الإقليم.

لا ترى الجهات الديبلوماسية أن واشنطن تنحو صوب تسهيل تغيير جذري في المنطقة العربية، إنطلاقا من أنها هي نفسها من تعمّدت إشاعة الفوضى الخلاقة او الناعمة وفي نشر الانقسامات، فيما أدى التخبّط في إدارة وجودها العسكري في المنطقة ومن ثم انسحابها، الى مزيد من الفوضى والى توسّع النفوذ الإيراني، وبالتأكيد الى تسهيل إيجاد منفذ لموسكو الى المياه الدافئة، وهو أمر ظلّ حلما روسيا مستداما منذ إنهيار الاتحاد السوفياتي. 

وتعتقد تلك الجهات أن سياسة إنكفاء إدارة الرئيس دونالد ترامب هي الوجه الآخر لسياسة إدارة باراك أوباما، رغم كل الضجة التي اثارها ترامب في مقاربته الملف الإيراني، مما يسهل إستنتاجا بسيطا بأن الحال في المنطقة ستبقى على ما كانت من تشرذم وضياع وثورات مشبوهة المغزى والهدف، بما يغذي النفوذ الإيراني الحالي ويوسع آفاق التطلع الروسي.

وترى الجهات الديبلوماسية ان دخول لبنان في دوامة مشابهة لن يكون أبدا في مصلحته، ذلك ان مروحة من العناصر والعوامل المتفجرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تشد الخناق على اللبنانيين، الى جانب أن تفكك الاستقرار النسبي يشكل عاملا متهورا سيقوّض الهيكل ويأتي على ما بقي من المقومات الدولتية، فيما غالبية الطبقة السياسية لا تقيم وزنا لكل تلك الحقائق، لا بل لا تتوانى عن إهدار الفرص والتحلل من أي مسؤولية وطنية أو أخلاقية يُفترض أن تتحلى بها!