بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2019 12:01ص شر البَلِيّة

حجم الخط
الاصطفاف الطائفي الذي ظهر بوضوح في الاجتماع المشترك الذي عقدته اللجان النيابية أمس الأول لمناقشة اقتراح القانون المقدم من كتلة التنمية والتحرير لتعديل قانون الانتخابات المعمول به حالياً يدل على مدى هشاشة الوضع السياسي في البلاد، وينذر بنتائج غير محمودة العواقب على الصيغة اللبنانية التي أرساها إتفاق الطائف بعد حروب داخلية إستمرت أكثر من عقدين من الزمن. وعلى الرغم من أن اقتراح القانون الذي تقدمت به كتلة التنمية والتحرير يراعي وثيقة الوفاق الوطني التي نصت على اجراء الانتخابات النيابية على أساس غير طائفي، وحرص واضعوه في ذات الوقت على تحقيق التمثيل الصحيح باعتماد النسبية على أساس ان لبنان كلّه دائرة انتخابية واحدة وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة كي يتاح للجيل الشاب المشاركة في الحياة السياسية بفعالية، فإن المشهد الذي تجلى في المناقشات التي دارت في اجتماع اللجان المشتركة دل بوضوح على مدى عمق الطائفية في هذا البلد، وعلى أن اتفاق الطائف الذي نص على إلغائها أصبح في خبر كان، وان هذا المرض الطائفي البغيض والمسؤول عن كل المآسي التي يتخبّط فيها لبنان هو أعمق مما تصوره أولئك الذين اجتمعوا في الطائف وانتهوا بعد نقاشات طويلة الى أن لا مجال للاستقرار في هذا البلد إلا بإلغاء الطائفية والتوجه بخطى سريعة ومدروسة نحو قيام الدولية المدنية التي تكرس حكم الشعب بالشعب ولأجل مصلحة كل الشعب على عكس ما كان سائداً في لبنان، قبل الوصول إلى اتفاق الطائف.

القوى المسيحية التي تدعو بمناسبة ومن دون مناسبة إلى قيام الدولة اللبنانية لم تسأل نفسها عندما اصطفت في جبهة طائفية واحدة ضد اقتراح القانون الذي قدمته كتلة التنمية والتحرير عن الأخطاء الجسيمة التي تضمنها القانون المعمول به حالياً في ضرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ولا حتى في إنهاء حلم اللبنانيين بقيام الدولة المدنية وقوامها حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب، وبكلام أكثر وضوحاً لم تسأل نفسها عن هذا القانون الطائفي البحت الذي انتج مجموعة نواب تمثل طوائفها ولا تمثل الوطن بكل أطيافه ولو تواضعت وسألت مثل هذا السؤال لهان الأمر واستبشر اللبنانيون وجيل الشباب بوجه خاص بأن لبنان يتجه فعلاً ليخلع عن جسمه رداء الطائفية البغيضة والمدمرة ليرتدي ثوب الدولة المدنية الحقيقي التي بدونها يبقى لبنان عُرضة للحروب الداخلية وللتفسخ والتفكك أمام أية هزة كما هو واقع الحال عندما طرح اقتراح القانون المقدم من كتلة التنمية والتحرير على بساط البحث في اللجان المشتركة ليس لأي سبب سوى ان هذا القانون يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية على حساب دولة الطوائف التي يعيشها لبنان بفعل القانون المطلوب تعديله أو تغييره ليتمشى مع تطوّر العصر.

ان أكثرية الشعب اللبناني ترفض منطق الاصطفاف الطائفي الذي لجأت إليه الأحزاب والقوى المسيحية وتدعوها إلى إعادة النظر في هذا السلوك الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر الطائفي وإلى مزيد من الضياع. حقاً قيل إن شر البلية ما يضحك.