بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الثاني 2019 08:09ص شهادات من الشريعة والتراث

حجم الخط
المصطادون بالماء العكر في المواضيع الدينية كثيرون فمنهم الحاقدون ومنهم الجاهلون يتبعهم المتزمتون والصارخون في كل الأزمنة والأمكنة بالويل والثبور وعظائم الأمور. يمكن تلافي هذه الحساسيات الدينية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد لو وجد هناك من يحسن إدارة الأمور وفك التشابك بل واستشفاف الأحداث قبل تفشيها وتناولها على صفحات التواصل الإجتماعي. 
يسأل الكثيرون من مسلمين ومسيحيين عن مواضيع تتعلق بالمسائل الآتية :
 -الدخول الى الكنيسة 
-حضور القداس 
-ذهاب المسلم الى الكاهن ووقوفه أمامه حين المناولة  بعد إصرار كثير من الجهات الإسلامية والمسيحية لإبداء الرأي في هذا الموضوع، أتطرق إليه دون أن أكون المرجعية الرسمية الصالحة لإصدار الفتوى، وإنما أتناوله حذراً مسترشداً بقول الإمام الشافعي : " قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب "   
الدخول الى الكنيسة :
اختصاراً للآراء الفقهية التي تتشدد بهذا الموضوع من الإباحة الى التحريم أذكر ما انفرد بذكره ابن خلدون عن حادثة دخول عمر ابن الخطاب كنيسة القيامة وعدم الصلاة فيها وإن كان تبرير عدم صلاته بداخلها حتى لا يتخذها المسلمون ذريعة فيما بعد ويقولوا هنا صلى عمر. كما جاء عن سبب عدم الصلاة  فيها قول عمر لأن فيها تمائيل وصور. مفارقة أخرى مشاركة المسلمين والمسيحيين في مكان الصلاة داخل كنيسة يوحنا المعمدان سابقاً/المسجد الأموي لاحقاً خلال اثنتين وسبعين سنة حيث كانوا يدخلونها من باب واحد، الى أن أهدى المسلمون المسيحيين 4 قطع أرض في دمشق في باب توما حيث شيدوا كنيسة لهم في هذا المكان. دون أن أقلل من ظاهرة فتح الكنائس للمسلمين من أجل الصلاة بداخلها في الدول التي تمنع تشييد مساجد ومصليات للمسلمين.
يروى عن أبو يزيد البسطامي (من كبار متصوفة القرن الثالث الهجري) قصة حصلت معه مع راهبة يقول : " مررت بدير فيه راهبة، فقلت لها : هل هنا مكان طاهر أصلي فيه ؟ فقالت : طهر قلبك وصلّ حيث شئت ".
حضور المسلم القداس :
لا توجد آراء فقهية تبيح للمسلم حضور القداس من أجل المشاركة الإيمانية في الصلاة، بل أن هناك نهي صريح بهذا الخصوص وهذا مشترك بين جميع الأديان حيث أن أداء الصلاة أو إقامة القداديس هي للجماعات المؤمنة بكل دين. بيد أن هناك مشاركة رسمية في حضور القداس من أجل التهنئة دون أن يتبعها ممارسة طقوس معينة أو ترديد عبارات أو القيام بإشارات تدخل في صميم المعتقد المسيحي وتخالف المعتقد الإسلامي صراحة. المشارك بهذه القداديس بصفته الرسمية في الدولة أو من أجل التهنئة في حال التزامه بهذه الشروط لا يخرج عن الدين الإسلامي بأي وجه من الوجوه ما دام معتقداً بمبادىء دينه، ولم يعلن صراحة عن خروجه منها.
جاء في وثيقة الأزهر للحريات العامة الصادرة في 8 كانون الثاني 2012: ".... كما يترتب أيضًا على احترام حرية الاعتقاد رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين بهذه العقائد، بناء على ما استقرَّ من نظم دستورية بل بناء على ما استقر – قبل ذلك – بين علماء المسلمين من أحكام صريحة قاطعة قرّرتها الشريعة السمحاء في الأثر النبوي الشريف : ( هلا شققتَ عن قلبه) والتي قررها إمام أهل المدينة المنورة الإمام مالك والأئمة الأخرون بقوله : ” إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِلَ على الإيمان ولا يجوز حَمْلُه على الكفر ” وقد أعلى أئمة الاجتهاد والتشريع من شأن العقل فى الإسلام، وتركوا لنا قاعدتهم الذهبية التي تقرر أنه : ” إذا تعارض العقل والنقل قُدَّم العقل وأُوِّل النقل ” تغليباً للمصلحة، المعتبرة وإعمالاً لمقاصد الشريعة . 
ذهاب المسلم الى الكاهن من أجل المناولة والتبريك
مسيحياً هي محصورة بالمؤمنين ولا تمنح لغير المسيحيين. بل أن المناولة في كثير من الكنائس محصورة بأبناء الطائفة المعمدين.
إسلامياً هي منهي عنها أيضاً لما في معنى المناولة من أسرار كنسية ورموز ترتبط بالعقيدة المسيحية. في حال قيام المسلم بها بغفلة وعدم معرفة فلا شيء عليه، ولا يحتاج الى التلفظ بالشهادتين. وأما إذا قام بها مدركا للنهي عنها فهو آثم وعاصي (لمخالفته لمبدأ جوهري في العقيدة الإسلامية) وهذا متبع أيضاً في المسيحية (رسالة الرهبانية الباسيلية المخلصية بموضوع أحد الآباء الذي قام بالأذان في مناسبة رمضانية)، وأما إذا قام بها معتقداً برمزيتها ومعلناً ايمانه بها فلقد خرج من الإسلام بطبيعة الحال وعليه التلفظ بالشهادتين إذا أراد العودة عن ذلك لخروجه عن العقيدة الإسلامية صراحة.
على نهج ما جاء في رسالة الرهبانية الباسيلية المخلصية بموضوع الأب الذي قام بالأذان في المناسبة الرمضانية أتمنى أن يصدر عن دار الفتوى بيان تترك لها معالجة مثل هذه الأمورمستقبلاً وتهيب بجميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتتمنى منهم عدم التداول بالموضوع وترك معالجة ما يحصل لدار الفتوى لتقوم بواجبها الشرعي بهذا الخصوص. مذكراً دائماً بأنه ليس لأي مرجعية دينية إسلامية مهما علت التفتيش في ضمائر المسلمين لإصدار أحكامها بالتكفير والتخوين. والله أعلم.