(أنزل القرآن في شهر رمضان، هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
رمضان شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران، رمضان شهر الصيام والقيام شهر تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُغل فيه الشياطين، وتُضاعف الحسنات وتُغفر السيئات (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، فاغتنموه بالذكر والعبادة وقراءة القرآن والقيام بالليل والناس نيام.
شهر رمضان شهر الخيرات والبركات، شهر الجود والعطاء، والبذل والإحسان، شهر التواصل والتكافل، شهر تغمر الرحمة قلوب المؤمنين وتجود فيه أيدي المحسنين بالعطاء فيحسن غنيُهم إلى فقيرهم ويدعو فقيرُهم لغنيهم.
رمضان شهر اعتاد كثير من المسلمين اخراج زكاة أموالهم فيه طمعا في مضاعفة الأجر والثواب، لأنه تعالى وضع رمضان لإفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما يُفيضها في غيره فكانت الصدقة فيه أفضل ثوابا منها في غيره، فالصدقةَ في رمضان أفضلُ من الصدقةِ في غيره كما ذكَر ذلك غيرُ واحد من أهل العلم.
هذه الصدقة هي الزكاة التي أوجبها الله تعالى على الأغنياء حقاً في أموالهم للفقراء، فقد شُرعت لحكم عظيمة وأهداف سامية، وحث القرآن على أدائها لما في أدائها من تطهير النفس من الشح والبخل والطمع, ولما في ذلك من المواساة للفقراء والمساكين.
والزكاة رُوعي فيها الغني والفقير، فلم يُضَرّ بالفقير، ولم يُجحَف الغنيّ في مالِه، وإنما هي نسبة قليلة إلى عموم مالِه.
إذاً فالزكاة طهرة للمزكي تُطهِّر قلبه من داء الشح والبخل، وتُخلِّصه للكرم والسخاء، وإنها تطهير للمال من موجبات تلفه وآفات زواله، وذلك من أسباب حلول البركة فيه، وسرعة كثرته ونمائه.
كما أن إخراج الزكاةِ زكاةٌ للقلب، فيقوى بإخراجها الإيمان؛ لأن مُخرجها قد تغلب على نزعات الهوى، ومشتهيات النفس، ووساوس الشيطان، فهو أخرجها طاعة لله، مُرغماً أنف الشيطان.
أما الغني الذي يمتنع عن أداء الزكاة فقد ارْتَكَبَ إثما مُحَرَّمًا هُو كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ عُقُوبَتَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ نَوْعٍ خَاصٍّ.
أما ضرر البخل في الدنيا فتعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد، وأما ضرره في الآخرة والدين: فهو ما أخبر عنه تعالى بأنهم سيُلزمون وبال بخلهم وعاقبة شُحِهم إلزام الطوق في العنق، فلا يجدون مناصا ولا مهربا من توجيه اللوم والسؤال والعقاب على فعلهم. فأنفقوا أيها الأغنياء مما جعلكم مستخلفين فيه، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل. فقدموا لأنفسكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم.
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا أيها الأغنياء على استباق الخيرات لتكونوا من المفلحين وتدبروا قول الله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُو خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) المزمل 20، ولا تجعلوا نوازع البخل والشح لتحول عن أداء ما افترضه الله عليكم، فاقهروا أنفسكم وروضوها على حب البذل والعطاء واخراج زكاة أموالكم فيه تطهير المال من حقوق الغير فيه. وصدق الإيمان، ووقاية للنّفس من شحّها. ومواساة الفقراء والمحتاجين وسدّ حاجة المعوزين. وفي ذلك الخير كل الخير.
هذه الزكاة سبب لبركة المال ونمائه وان ما انفقه أو تصدق به المسلم هو في الحقيقة ماله الذي يبقى له (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (89)(الشعراء).
ما أحوجنا في هذه الأيام الصعبة إلى زيادة العطاء وبذل الصدقة واخراج الزكاة والإحسان الى الفقراء والمساكين والمعوزين، وخاصة من أقاربك المحتاجين فإنها صدقة وصلة، فكم من محتاج يصارع المرض والفقر والجوع والحرمان ينتظر يدا حانية تمسح دمعته، وتُقيل عثرته، وتسدُ رمقه ورمق أطفاله بما تجود به في هذا الشهر الكريم.
كما أن الجمعيات الخيرية الإسلامية وصندوق الزكاة يحتاجون الى مد يد العون والمساعدة لتفي باحتياجاتها ودعمها للمحتاجين والأيتام والمعوزين ورعايتهم.
فلنشمر عن ساعد الجد والبذل والعطاء في شهر الخير والعطاء ولنجعل نصب أعيننا قول النبي صلى الله عليه وسلم «بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ».
فينبغي علينا ان يكون لنا من شهرنا هذا وفريضتنا ما يكون له اثر ممتد، وتغيير حقيقي يتناول الانسان في أعماقه، فيُعد قلبه وفكره وجوارحه للتقوى والخشية من الله تعالى فالتقوى ثمرة الصيام التي توقظ القلب ليؤدي هذه الفريضة طاعة لله وايثارا لرضاه.
اللهم اجعلنا ممن يصومون ويقومون رمضان ايمانا واحتسابا وينالون بالصيام التقوى.
اللهم اكرمنا في شهر رمضان، وجنبنا الغفلة والعصيان، وأحيي قلوبنا بطاعتك وهدايتك وهذب نفوسنا بالصيام والقيام وتلاوة القرآن.
اللهم اجعله شهر عزٍ ونصرٍ للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً.
* مفتي صيدا وأقضيتها