أقام ترامب ونتنياهو حفل تخرج رسميا لصفقة القرن تلته حفلة كوكتيل تخللها تبادل عبارات الانتصار والنكات والضحك والتصفيق الحاد، والكل بات يعلم أن تلك الصفقة من أهم أهدافها تهويد الأراضي الفلسطينية واثباط عزيمة المقاومين الفلسطينيين وتوطين فلسطينيي الشتات حيث هم في بلدان الشتات، وحرمانهم من العودة إلى بلدهم وعاصمته القدس الشريف التي اغتصبوها في العام 1948 واستبدالها بكفرعقب والجزء الشرقي من شعفاط وأبوديس. وبمجرد اعلان ترمب بنود الصفقة أكد أن خطته تصر على بقاء القدس عاصمة غير مجزءة لاسرائيل، وبمجرد أن اجابة نتنياهو بأنه جاهز لتبني هذه الصفقة التي اسماها خطة سلام كأساس للتفاوض، فإن ذلك مؤشر واضح على أن القضية الفلسطينية قد ولجت أبواب التصفية.
وقد عبرت عن هذا الخطاب صحيفة هآرتس الاسرائيلية بقولها بتاريخ 29 كانون الثاني 2020، بالتأكيد أن الرئيس ترامب لا يروج للسلام من خلال بنود تلك الصفقة ولكنه يسعى بموجبها إلى الترويج لفكرة أخرى وزرعها في اذهان الجميع ومفادها أن الفلسطينيين باتوا امام فرصتهم الاخيرة وأنهم لم يحصلوا أبدا على اكثر مما هو وارد في بنود صفقة القرن. أما السؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث: لماذا تخلت واشنطن عن الحماسة الشديدة في التحدث عن موضوع حل الدولتين ليكون البديل عن هذا التخلي صفقة القرن؟
لا شك أن واشنطن وتل أبيب عندما اكتشفتا ظهور النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة والضفة الغربية على وجه التحديد، وفي القسم المحتل من الجولان السوري تخلتا مباشرة عن حل الدولتين وعادتا إلى نظرية كيسنجر القائلة: «أيها الأميركيون عندما تسيطرون على النفط تسيطرون على الامم»، وإلى مقولة الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر «لو أن الله أزاح النفط قليلاً عن العالم العربي لكانت مهمتنا أسهل بكثير».
وهنا أحيلكم إلى ما أوردته صحيفة الوطن الفلسطينية بتاريخ 8/10/2017 عن الأبعاد الاستراتيجية لصفقة القرن وعلاقة غاز قطاع غزة بها، إذ تفيد الصحيفة بأنه طبقاً لخرائط المسح الجيولوجي تبين أن المنطقة العربية الممتدة من الساحل السوري إلى لبنان مروراً بساحل فلسطين وصولاً إلى ساحل الدلتا تعوم على بحر من الغاز والنفط.
وتحتوي تقديرات المسح الاولية على أكثر من 370 ترليون متر مكعب من الغاز والنفط وعلى قرابة 2 بليون برميل من النفط لم يكتشف منها إلا 50 تريليونا ما يعني أن المنطقة لا تزال بكراً.
وتضيف الصحيفة «تهدف صفقة القرن إلى حصر النفوذ الروسي في الساحلين السوري واللبناني على أقصى تقدير، وهو ما يعني ضم المنطقة إلى النفوذ الامبراطوري الاقتصادي الأميركي والسيطرة على حصة الأسد من كنوز الشرق الاوسط»، وتضيف الصحيفة ان شركة شل التي تمتلك واشنطن ما يربو عن أربعين بالمائة من أسهمها لها حصة وازنة في حقل مارين الفلسطيني للغاز منذ عام 2016.
أما موقع نون بوست فقد نشر تقريراً بتاريخ 17/4/2019 حمل عنوان «هكذا حول الغاز المنهوب اسرائيل إلى دولة مصدرة للطاقة»، ويقول التقرير في افتتاحيته «كان مجرد حلم قبل 15 عاما»، هكذا وصف وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتس خلال أول مؤتمر لمنتدى غاز الشرق المتوسط في القاهرة، الأحلام الاسرائيلية في تصدير الغاز الاسرائيلي إلى الدول العربية وأوروبا.
أما الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فقد سبق أن وصف الغاز والنفط في فلسطين بهبة الله للفلسطينيين، وكانت كلماته تلك قد قالها خلال افتتاح أول حقل مكتشف في بحر غزة عام 1999، أي قبل أن يكتشف الاسرائيليون الغاز، وهذه الهبة تنهبها اسرائيل اليوم.
وكان من المقرر حسب الموقع أن تنجب حقول الغاز في شواطئ غزة عائدات تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار سنوياً لخزينة السلطة الفلسطينينة كي تمول بنيتها التحتية.
اما بالنسبة للضفة الغربية يسترسل موقع نون بوست بالقول بتاريخ 3/11/2013 «لقد احتفل المستثمرون الاسرائيليون في نيسان 2013 باكتشاف السلطات الاسرائيلية حقل نفط كبير في الضفة الغربية، وشرعت اسرائيل حينها باستخراجه بعيداً عن أعين السلطة الفلسطينية التي افادت يومها بان اسرائيل بدأت باستخراج النفط والغاز في منطقة رنتيس في محيط رام الله وهي المنطقة الواقعة على مقربة من خط الهدنة لعام 1948 مضيفة إلى انها شرعت في البيع في الحقل النفطي المذكور الذي اطلق عليه اسم مجد 5 في العامي 2011 و2012».
أما شركة جيفوت الاسرائيلية التي نقبت عن النفط في تلك المنطقة فلم تخف أرباحها، وأعلنت ان تلك الارباح تجاوزت 40 مليون دولار خلال العام 2012 من موقع مجد، وقدر حجم الاحتياط النفطي في بئر النفط المكتشف بمليار ونصف المليار برميل، اضافة إلى 182 مليار قدم مكعب من الغاز.
ورغم ان حديثنا يجب أن يدور حول فلسطين المحتلة، فمن واجبي أيضاً أن أفند أسباب اعلان الرئيس ترامب القسم المحتل من الجولان السوري أرضاً اسرائيلية.
إن كل المعطيات تشير إلى أن اعلان ترامب هذه الأرض العربية العزيزة أرضاً اسرائيلية أتى نتيجة اكتشاف اسرائيل النفط والغاز فيها بكميات ضخمة وهائلة، إذ أشار الدكتور الاسرائيلي يوفال برتوف كبير الجيولوجيين في شركة AFEC OIL & GAZ الاسرائيلية في مقابلة مع القناة الثانية الاسرائيلية في أيلول 2015 أن «لدينا في الجولان 10 أضعاف الكميات الموجودة في حقول الدول الاخرى». وأوضحت وزارة الطاقة الاسرائيلية أن استهلاكها اليومي هو 270000 برميل إي قرابة 99 مليون برميل سنوياً، فإذا حسبنا ذلك نكتشف بان نفط الجولان يكفي اسرائيل لمدة 400 سنة. ويضيف بارتوف بأن احتياط البترول والغاز في الجولان يعادل احتياطي المملكة العربية السعودية، وكلام بارتوف عاد وتبناه الكاتب الالماني الشهير وليم انغدال لقناة فوكس نيوز.
وبما ان النفط بالنسبة لواشنطن هو مستعبد الشعوب، كما قال يوسف ابراهيم يزبك أحد مؤسسي الحزب الشيوعي اللبناني السوري في العام 1924، تأتي صفقة القرن على أساس نهب الثروات والمقدرات فقط، وهذا المنطق أثبته الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي عندما قال لوكالة الاناضول بتاريخ 30/1/2020 إن الاراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية تجعلها بنود صفقة القرن محاطة بالمستوطنات الاسرائيلية وبكل الشوارع التي يسلكها المستوطنون، وان اسرائيل لن توافق على الممر الآمن الذي تطرحه الصفقة لانها تسعى إلى تفريغ القدس من أهلها، وعلاوة على ذلك يضيف التفكجي بأن منطقة الاغوار التي تشكل 27% من مساحة الضفة الغربية وتعتبر السلة الغذائية للضفة ستكون تحت السيطرة الاسرائيلية.
كما تسمح الصفقة لاسرائيل حسب التفكجي بضم ما بين 30 إلى 40 بالمائة من أراضي المنطقة (ج) التي تشكل نسبة 61% من مساحة الضفة إلى السيطرة الاحادية والامنية الاسرائيلية الكاملة.
وكلام التفكجي خير دليل على ان صفقة القرن وجدت لنهب ثروات فلسطين ولتصفية القضية الفلسطينية بالدرجة الاولى وبنودها لا تعرف طعماً للسلام والامان.
وفي الختام، لا يسعني إلا العودة إلى كلام الخالد جمال عبد الناصر القائل، ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبما ان المقاومة هي السبيل الوحيد إلى تحقيق الأماني صدق المفكر مهدي عامل عندما قال: «لست مهزوما ما دمت تقاوم».