بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2021 06:36ص طارق بيطار.. قوس، عدالة، و«عندك حرية يا ريّس»

حجم الخط
الحدث والحديث هو، نعم، إنه حدث الساعة وحديث الناس، تعلق عليه آمال كبيرة لبلسمة جراح وآلام ذوي الشهداء والضحايا الأبرياء والجرحى والمفقودين من جرّاء جريمة العصر التي هزّت لبنان في الرابع من آب 2020 بانفجار بيروت المشؤوم.
كيف لا وقد تحوّل ملف ذاك الانفجار الرهيب إلى قضية وطنية وانسانية بامتياز، وبات الشغل الشاغل للبنانيين جميعاً، لا بل لكل من يواكب ويتابع عن كثب حيثيات وتداعيات زلزال المرفأ وما تركه في النفوس والنصوص كما لدى الكثيرين من «لصوص الهيكل» بانتظار وضوح المشهد على صعيد التحقيقات التي طال انتظـارها لتبريد قلوب كل من فقد عزيزاً وغالياً من الأسر والعائلات التي لا تزال تنتظر على أحر من الجمر أجوبة شافية عن تساؤلاتها العديدة والتي تركت أكثر من علامة استفهام بهذا الشأن حتى الآن.
ستة أشهر ونيف مضت «بلمح البصر» على صعيد الزمان والمكان، أما بالنسبة لأهالي وذوي الشهداء والجرحى والمفقودين والمتضررين مما حصل فقد شكّل عبئاً ثقيلاً عليهم وعلى أسرهم، فيما ان عامل الوقت بالنسبة إليهم بدا كدهر من الزمن، ينتظرون فيه وخلاله نتائج التحقيقات القضائية واللوجستية والتقنية التي أجريت من قبل أكثر من فريق وطرف محلي ودولي، لتبيان الأسباب الكامنة وراء حصول تلك الكارثة تمهيداً لتحديد المسؤوليات عمّا جرى احتراماً لدماء الشهداء والجرحى، ومن ثم الكشف من دون مواربة أو مسايرة لأي كان مهما علا شأنه بالنسبة لتحمل المسؤولية مباشرة أو غير مباشرة لتلك الفاجعة الوطنية والانسانية والاقتصادية الكبرى، في بلد طالما عايش الحروب والأحداث والمآسي على مدى سنوات عجاف من الزمن، الا أن حكاية انفجار المرفأ تركت بصمة وأكثر من علامة فارقة سوداء في تاريخ لبنان المعاصر.
أما لماذا «عندك حرية يا ريس» ذلك بعد ان حذفنا الحرف الأوّل من كلمة «بحرية» للتأكيد للمحقق العدلي الرئيس طارق بيطار الذي تسلم ملف التحقيقات بانفجار المرفأ مؤخراً من القاضي فادي صوان الذي تمّت تنحيته عن هذا الملف لسبب أو لآخر دون الخوض في تفاصيل أبعاد وخلفيات ذلك، وهذا الأمر متروك للمعنيين بالشأن القضائي من أعلى الهرم مروراً بكل المطلعين على حيثيات هذا الملف الحسّاس والدقيق والخطير بكل ما للكلمة من معنى.
لا يختلف اثنان على نزاهة ونظافة كف الرئيس بيطار بشهادة كل من عرفه أو عمل معه، أو من خلال القرارات القضائية الجريئة والاحكام التي أصدرها في مراحل سابقة، دون أن يساير أو يهادن أو يصغي أو يرد أو يستمع إلى مطلب سياسي من هنا أو تمنٍ آخر من هناك، إنما أصدر مثل تلك الاحكام الجريئة عن قناعة ومن خلال تحكيم ضميره المهني والإنساني والأخلاقي والوطني دون أي شيء آخر. لذلك فإن الأنظار كل أنظار اللبنانيين، خاصة أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين من انفجار المرفأ شاخصة نحو القاضي بيطار لمواكبة الخطوات والاجراءات التي سيعتمدها منذ اللحظة الأولى لبدء دراسة صفحات هذا الملف الشائك والمعقد والتي قد تزيد عن الألف صفحة لا بل وأكثر، وما يحتويه هذا الملف الذي بات بحوزته وبين يديه، على أمل الإسراع وليس التسرع لإظهار الحقائق والخلفيات بشأن جريمة العصر.
من هنا، عندما قرّر الرئيس بيطار الإبحار من خلال تسلم هذا الملف، والتحقيق في أدق التفاصيل المرتبطة بخفاياه وخباياه، لا شك انه قرّر الغوص حتى أعماق الاعماق فيه وذلك احتراماً أولاً وأخيراً لبحر من الدماء البريئة التي سالت وسفكت ظلماً وعدواناً واستهتاراً بحياة الناس وقدرهم كما احتراماً لمشاعر واحاسيس أهاليهم أيضاً.
لا يُمكن الشك على الإطلاق بأن الرئيس بيطار سيعمل بكل جدية واخلاص وتجرد للتوصل في نهاية المطاف ودون أي تباطؤ أو تأخير، لا سيما وانه يعلم جيداً الأبعاد الإنسانية والقانونية والإجرائية التي يتوجب من خلالها تظهير الحقيقة امام الرأي العام اللبناني والدولي بكل ابعادها وتشعباتها خاصة وأن الأشهر الستة الماضية لم يلق خلالها أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين الا وعوداً واهية كثيرة لم تشفِ غليلهم حتى اليوم، ولم تُبيّن لهم ولو خيط رفيع يدلل على أسباب الانفجار ومن هي الجهة المسؤولة عن حصوله بدءاً من معرفة من كان وراء احضار هذه الكمية الهائلة من نيترات الامونيوم إلى لبنان وبالتالي كيف تمّ السماح بوضع هذه المواد المتفجرة الخطيرة جداً في مرفأ بيروت وأيضاً وايضاً من هم الذين أوعزوا بإبقائها في أحد عنابر المرفأ على مدى سنوات طويلة، وعدم ايلاء هذا الموضوع الخطير أي اهتمام من قبل المسؤولين والمعنيين على كافة المستويات، أيا يكن أولئك المسؤولون من رؤساء أو وزراء أو عسكريين أو قضاة أو موظفين في المرفأ وأيضاً في الوزارات التي يرتبط عملها بشكل أو بآخر بمراقبة كل شاردة وواردة في قطاع حيوي كمرفأ بيروت، فكيف بالاحرى اذا كان الأمر يتعلق بتدمير نصف المدينة على الأقل مع ما واكب ذلك من سقوط الشهداء الأبرياء والمصابين عدا الخسائر المادية الجسيمة في الممتلكات والأرزاق والمؤسسات وغيرها.
حضرة الرئيس طارق بيطار، دعنا نتوجه إليك بكل مصداقية وشفافية ومحبة واحترام، لكي نؤكد لك على ثقة الجميع بقدراتك ومناقبيتك القضائية وتجردك، ولا نقول ذلك لك من باب المجاملة إنما للتأكيد على انك لن تسمح لأي كان، خاصة أولئك المسؤولين والسياسيين أو غيرهم في هذا البلد، بالتدخل من قريب أو من بعيد معك قبل وخلال وبعد صدور حكمك بقضية المرفأ وعندها يُمكن القول لك: «عندك حرية يا ريس»، وذلك انطلاقاً من مبدأ قانوني وعدلي وانساني صرف، على أمل ان تستطيع تخطي ومواجهة كل الصعوبات التي سيحاول الكثيرون وضعها أمامكم والتدخل في هذا السياق، ودون ان تسمح للأخطبوط السياسي في لبنان بمقاربة هذا الملف من قريب أو من بعيد.
ان كارثة انفجار مرفأ بيروت تجعلنا كلبنانيين نتمسك أكثر فأكثر بمفهوم انه لدينا قضاء عادل ونزيه بالرغم من وجود قلة من القضاة الفاسدين الذين يُمكن لمجلس القضاء الأعلى، كما التفتيش القضائي، أو لنادي القضاة كشفهم ومحاسبتهم اسوة بالمسؤولين والسياسيين الفاسدين في هذا البلد، والذين أودوا بلبنان إلى الوضع الذي وصل إليه حالياً، كل ذلك منعاً لتشويه سمعة القضاء اللبناني الذي كان ولا يزال يُشكّل إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها هذا البلد وكل اللبنانيين في محاسبة الفاسدين والسارقين والناهبين، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف البلد القاسية من جرّاء تداعيات وباء كورونا الذي شل الأوضاع والمؤسسات في لبنان كما عمل القضاء أيضاً إلی حدّ كبير.
إذن، الامل كل الامل، بأن لا يطول الانتظار كثيراً حتى يتبين للرئيس بيطار، من خلال ملف المرفأ الموجود على طاولته وبين يديه كل المعطيات المتوفرة حتى الآن، ومن ثم إعطاء الرئيس بيطار مؤشرات للناس ولذوي الشهداء والضحايا والمتضررين من انفجار المرفأ بأن هذه الجريمة لن تمر دون عقاب ودون تسمية الأمور بأسمائها وتحميل المسؤوليات لكل من شارك وتسبب أو أهمل مما أدى إلى حصول ذاك الانفجار على أمل ان يكون النطق بالحكم من فوق قوس الرئيس بيطار عادلاً وكفيلاً ببلسمة جراح الناس والأهالي والمتضررين وهذا وحده من شأنه ان يكشف للعيان الأقربين والأبعدين مدى مقدرة ونزاهة وخبرة وتجرد القضاء اللبناني بشخص القاضي بيطار لوضع اليد على الجرح ومحو آثار تلك الصفحة السوداء التي شوّهت سمعة وتاريخ قضاء لبنان المشهود له في كل محفل وميدان ومن على كل قوس وعلى رؤوس الأشهاد، و«عندك حرية يا ريس».