تتعثّر ولادة الحكومة حتى الساعة، غير أنّ مساعي تحريك الركود الذي يغلّف التشكيل تستمرّ على وقع خلط أوراق دولي- إقليمي- محلّي يسهم في إضفاء دفع إيجابي نحو تأليف حكومة جامعة مع ضوابط تمنع التعطيل، كما جاء في ما بين سطور كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في عيد الجيش، بقوله إنّ «العزم واضح على أن تجمع الحكومة المقبلة المكوِّنات اللبنانية من دون تهميش أي مكوِّن أو إلغاء دوره ومن دون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف، وألا تكون الغلبة في الحكومة العتيدة لفريق على آخر».
ينظر كثيرون بإيجابية الى كلام الرئيس عون، لا سيما بعد الأجواء المتداولة عن طرح بدأ يتنامى عن حكومة أكثرية، تنتظم معها المعارضة خارج السلطة التنفيذية لتقوم بدورها البرلماني في المراقبة والمحاسبة. غير أنّ مراقبين للوضع السياسي الراهن يدرجون الكلام عن حكومة أكثرية في إطار الدفع السياسي نحو تسريع التأليف، بعد الركود الذي بات يحكم اليوميات السياسية مع تمترس كلّ طرف خلف مطالبه وعدم تنازله قيد أنملة، في وقت تحتاج البلاد الى حكومة فاعلة ينتظرها العديد من الملفّات تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بملفّ النازحين السوريين الذي بات داهما، على وقع المساعي الروسية الجديّة لإعادتهم الى مناطق آمنة في سوريا.
وسط هذه الأجواء، برزت أخيرا زيارة رئيس تكتّل «لبنان القويّ» الوزير جبران باسيل الى عين التينة، بعد قطيعة وتوتّر استمرّا أشهرا إثر حادثة تسريب الفيديو الشهير الذي إلتقطته إحدى الحزبيات في بلدة محمرش البترونية، وسُرّب بقصد الإرباك قبيل الانتخابات النيابية. وفيما يُدرج البعض الزيارة في إطار فكّ الحصار الذي يواجهه باسيل جرّاء خلافه مع غالبية المكوّنات السياسية في البلاد والذي اشتدّ بالتوازي مع تشكيل الحكومة، ترى أوساط أخرى أنّ أهداف اللقاء لا تندرج فقط في سياق الخلافات المُستفحلة حول الحصص الحكومية، إنما تطال المرحلة المقبلة، لناحية ضرورة التعاون في العمل التشريعي، خصوصا مع تأييد تكتّل لبنان القوي أيّ اتجاه قد يتّخذه المجلس النيابي للتشريع في ظلّ استمرار حكومة تصريف الاعمال، ولو أنّ رئيس المجلس نبيه بري يتريّث في هذا الخيار، كي لا تُفسّر الأمور في غير مكانها، كما نقل عنه النائب علي بزّي بعد لقاء الاربعاء.
وفي نظر الأوساط المُتابعة، إنّ طيّ صفحة القطيعة بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل من شأنه أن يطلق دينامية جديدة على مستوى العمل السياسي وفي مواجهة ما يحضّر له لإستهداف العهد، وأن يعطي دفعا إيجابيا لعمل البرلمان كما الحكومة المقبلة، وان يساهم في ما يطمح إليه العهد من إنجازات. وما قضية العودة الآمنة للنازحين السوريين سوى سببا واحدا من الاسباب الكثيرة التي تفترض مثل هذا التعاون، وقد استجدّت في الوقت الحرج داخليا وأسهمت في الدفع نحو هذا التقارب، لا سيما مع المساعي المتسارعة التي تقودها روسيا، التي قد يجتمع وزير خارجيّتها سيرغي لافروف بنظيره الأميركي مايك بومبيو في سنغافورة على هامش قمة آسيان، نهاية الاسبوع.
ويُسجّل مراقبون إشارات إيجابية سبقت زيارة باسيل الى عين التينة، أبرزها حضور نائب رئيس المكتب السياسي في حركة أمل الشيخ حسن المصري أثناء زيارة باسيل الأخيرة الى بلدة اليمونة البقاعية، وإعلانه «أننا لا نقبل لأيّ قوّة في الدُّنيا أن تُفشِلَ عهد الرّئيس عون»، كما عودة نواب من تكتل «لبنان القوي» للمشاركة في لقاء الاربعاء، منذ ما يقارب الاسبوعين. ويشير المراقبون أنفسهم الى أنّ الخلاف الذي استجدّ بين الطرفين قبيل الانتخابات لم يكن ليتفاقم لولا تسريب فيديو محمرش، لأنّ الكلام الذي قيل يُقال مثله الكثير في المجالس الخاصة، ولا يوفّر فيه أيّاً من الأطراف السياسيين خصماً أم حليفاً.