بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 نيسان 2024 12:13ص عصر الاستبداد..

حجم الخط
كل شيء يبدأ بالإنسان ومن أجل الإنسان والحاكم والمحكوم كلاهما الإنسان لكنهم ليسوا واحدا في مواقعهم وسلوكياتهم وفي تعاطيهم مع الحياة، هناك الرجل العاقل وهناك الدولة المنضبطة التي يكون القانون مبتغاها والعدالة هدفها والمساواة بين الناس سيرها ومسلكها، وهناك الرجل المستبد، والدولة المستبدة، والاستبداد ظاهرة قائمة وموجودة ومن مندرجاتها النازية والفاشية والارهاب، وتتعدد الأسماء بتعدد الأفعال فنصبح ونمسي أمام حاكم مستبد أو حزب مستبد و/أو دولة مستبدة. والناس عايشت قوى ارهابية وفاشية منها ما ينسب لنفسه بأحقية الفرادة والاستفراد بكل ما يتعلق بالوطن ومنها غير مبالي وآخر رهانه على قوى خارجية أميركية وأوروبية فالاستبداد ظاهرة تعويضية ونراه في الأشخاص فاقدي الثقة بأنفسهم الذين لم ينجحوا في تكوين شخصياتهم تكوينا سليما.
في التاريخ القديم تناول كثيرون من العلماء والفلاسفة موضوع الاستبداد منهم أرسطو الذي قال ان الطبيعة ذاتها خلقت رجالا ليحكموا وآخرين ليطيعوا وينتج ذلك سيادة وآخرين قادرون جسديا عبيدا، وان ليس كل إنسان مواطنا فهذه صفة لا تخص إلّا رجل السياسة السيد. وفي ذلك النظام الاستبدادي الجاهلي السائد في المجتمع الأغريقي كان الحاكمون هم القواد العشرة الذين يعنون بشؤون الحرب والسياسة ويأتي بعدهم ضابطو المدينة العشرة، وضابطو السوق وبعدهم يأتي مجلس الشيوخ وكان يتكوّن من عشر مجموعات كل منها خمسون شيخا ولم يكن هذا ضرورة للحكم بل كان تقسيما للمناصب السيادية، وكان مجلس الشيوخ ممثل القبائل العشر هو الذي يناقش ويدرس ويعدّ مشروعات القرارات التي تعرض على الشعب الذي كل ما عليه بان يقول نعم أو لا. وكان يشترط في حق المناقشة للمواطن ليصعد الى منبر الخطاب ألا يكون مدينا للمدينة وذو أخلاق طاهرة ومتزوجا زواجا شرعيا ومالكا لعقار وأن يكون أدّى جميع واجباته نحو المدينة، واشترك في جميع الحملات الحربية، وانه لم يلقَ سلاحه ويفر من المعركة وتتم المناقشة تحت رقابة حفظة القانون ومن هنا ولدت الديمقراطية أي حكم الشعب.
ومن البديهيات وجود مجتمعات متعددة الأفراد والاتجاهات  باجتهاداتها المتنوعة، ومع التعدد وجدت الوحدة وبين التعدد ووجوه المجتمع تناقضا محتوما وقد ينتهي بواحدة من ثلاث حالات وهي إلغاء التعدد، إلغاء المجتمع، إلغاء الاحتياجات التي دونها امكانيات وهنا تدخل أوضاع الناس متاهات النظم السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، وللقوى المسيطرة الأشباع ولغيرها الحرمان وهو في حقيقته عبودية وهي نظام يلغي إرادة الناس، كثروا أم قلّوا، انه هدر وضرب للمساواة بين البشر وإجحاف بحق المشاركة الوطنية في مجتمع واحد فالمواطن الذي بات في هذا الزمن الرديء يوافق مرغما على جميع القوانين والضرائب التي ترسم له رغما عنه.
يبقى السؤال الأساسي كيف يحل الاستبداد في مجتمعاتنا العربية ومتى ينتهي الصراع لا من أجل الأوطان بل من أجل المكاسب والاستئثار الشخصي فينقلب الباطل على الحق والفوضى على القانون والنظام والدستور وينقلب صغار القوم على الكبار منهم وتصبح المصلحة الشخصية والفردية والأنانية هي الشغل الشاغل لهؤلاء المنقلبين عن الحق والحقيقة ويصبح الوصول للمناصب زورا وبهتانا هو قضيتهم ويتحللون من كل القسم والعهود والوعود ويسيرون في طريق القسمة والانقسام والضلالة ألا ساء ما يفعلون.
في دولنا العربية رأينا حالات متعددة من الاستبداد داخلي من الحكومات أو من زعامات فارغة أو قيادة أحزاب تعيش بالوهم والخديعة وتنسب لنفسها ما يدين كل تصرفاتها الانقسامية والانقلابية ويتصورون ان المراكز والمناصب ليست هي أمانات ومسؤوليات تحددها الغالبية في هذه الدولة أو الحزب أو الجمعية بل هي ملكية خاصة ويصبح الهوس السلطوي هو قضيتهم. ويحضرني هنا بعض الأمثلة من التاريخ: قال لويس الخامس عشر الاستبدادي في العام 1766 أنا الملك وان كل حقوق ومصالح الأمة هي بالضرورة متحدة مع حقوقي ومصالحي وليس لها مكان إلّا بين يدي وان الأمة ليست متجسّدة في فرنسا بل هي متجسّدة كلها في شخص الملك وكان كل هذا يسمى عند الانفصاليين حقا أو استبدادا وانفصالا.
ويبقى استكمالا لهذا المقال، الاستبداد الخارجي منظومة الدول الاستعمارية والاستعمار الأميركي وحلفائه ودول أوروبا الاستعمارية والصهيونية العالمية ودويلتهم إسرائيل التي أوجدوها في قلب الأمة العربية احتلالا ومجازر وتهجيرا بحق اخواننا الفلسطينيين والعرب عامة ولهذا الاستبداد الخارجي وتبعاته حديث قريب إن شاء الله.